عبدالعزيز المقالح
الإجابة عن السؤال الذي يتصدر هذه الزاوية من السهولة بمكان، لكن استيعاب نتائجها هو الأصعب، والإجابة باختصار شديد تقول: إن واقع العالم الإسلامي وما يضطرب في جنباته في الوقت الراهن يقف وراء ما يحدث في ميانمار من قتل وإبادة جماعية. وقد يحتاج السؤال السالف إلى ملحق يتجلى في الإجابة عنه المزيد من الإيضاح عن الأسباب الكامنة وراء ذلك الفعل الشنيع، والسؤال أو ملحق السؤال هو: لماذا يحدث القتل الآن وبهذه الصورة المتوحشة ولم يحدث قبل ثلاثين أو حتى قبل عشرين عاماً. والإجابة عنه تتضمن القول بأن وضع الشعوب الإسلامية لم يكن قد وصل من الضعف والهوان مثلما وصل إليه الآن، وهو ما يشجع القوى الحاقدة أو المعادية للإسلام على استغلال الفرصة المواتية لتحقيق أهدافها والاتجاه إلى الفتك بالمواطنين من المسلمين والسخرية من العالم الإسلامي الذي وصل تعداد أبنائه - كما تقول أحدث الإحصائيات - إلى أكثر من مليار ونصف مليار مسلم وهي نسبة عالية تساوي ربع سكان العالم الحالي.
وما يقال عن برابرة ميانمار يصح أن يقال عن برابرة «إسرائيل». فلولا ما تشهده الأقطار الإسلامية من صراعات وحروب دامية ما كان لهذا الذي يحدث في جنوب شرق آسيا، ولهذا الذي يحدث في فلسطين وفي قلب الوطن العربي أن يحدث ولا حتى في الخيال. وفي هذه الحالة لا تكون المسؤولية فيما يحدث للإسلام والمسلمين هنا وهناك على القوى المعادية والفاتكة فقط، بل يتحمل المسلمون نصيباً منه نتيجة خلافاتهم وما يقود إليه من قتل وتدمير ينزل ببعضهم بأيدي بعضهم، ولأنهم يقدمون النموذج الأكثر بطشاً ووحشية للأعداء لينجزوا ما كانوا مترددين في القيام به بعد أن أدركوا أن ما يقومون به لا يواجه سوى بصمت يشبه صمت القبور. وما كان ينبغي أو يجوز أن ندخل نحن المسلمين في معارك وحروب جانبية تضعف إمكاناتنا وتمنعنا عن نجدة أشقائنا الأقربين منهم والأبعدين والانتصار لقضاياهم العادلة.
وللقارئ غير المتابع للشأن «الميانماري» سأحاول في السطور الآتية أن أستعرض معه بعض معلوماتي المحدودة عن ذلك البلد، ومنها أن ميانمار دولة آسيوية في جنوب شرقي أسيا على الحدود الشرقية للهند وبنغلاديش، وقد كانت هذه الدولة كما كانت بنغلاديش أيضاً وباكستان جزءاً من الهند الكبرى ذات مئات الأعراق واللغات.
وأغلب سكان ميانمار كما يقول بعض المؤرخين من بقايا المغول الذين عُرفوا بالتوحش والعدوانية، وكان لهم مع العالم القديم، ومع العرب خاصة ذكريات يندى لها جبين التاريخ، وكانوا وراء احتضار وتدمير الحضارة العربية وطي أمجاد بغداد وإسقاط دورها العظيم في البناء ومجابهة الغزاة. وهنا ليس غريباً على أحفاد أولئك المتوحشين القساة أن يكرروا مع مواطنيهم من مسلمي ميانمار ما فعله هولاكو وخلفاؤه القتلة. ولا عجب بعد ذلك أن نعلم أن أغلب المسلمين في تلك البلاد هم من أصول عربية أكثريتهم من اليمن والجزيرة العربية والقليل من الشام والعراق وقد استوطنوا ميانمار أو «بورما» كما كانت تسمى، وصاروا جزءاً من تكوينها منذ مئات السنين، بعد أن جاؤوا إليها تجاراً لا غزاة ولا فاتحين.
ويبقى السؤال الأكبر والأهم، وهو: هل ما زال في إمكاننا -عرباً ومسلمين- أن نفعل شيئاً يؤدي إلى إنقاذ أشقائنا في ميانمار من المصير الفاجع الذي يترصدهم ؟ والجواب ب «نعم» يتطلب الإسراع في حل مشكلاتنا أو بالأصح معضلاتنا الداخلية أولاً ووضع حد لنزيف الدم في أراضينا لنتمكن من إيقاف نزيف دم أشقائنا في أكثر من مكان في هذا العالم الذي لم يعد يحترم أو يخاف سوى الأقوى والمتماسك ولا يعطي أدنى اهتمام لمن لا يحترم وجوده ويحمي نفسه من نفسه ومن الآخرين.
التعليقات