يحيى مفرح الزهراني
تشتهر الثقافة العربية بأنها ثقافة شفوية، حفظت في الشعر والموروث الأدبي من قصص عبرت عن تاريخ وحضارة هذه البقعة المهمة من الأرض وعبرت الأيام والسنون، وأرخت من أحداث مرت على مدار الأزمنة والتاريخ، أحداثا وقصصا كثيرة أثرت في كثير من الأحيان خارج نطاقها الجغرافي والزماني، فاستمرت بعض القصص التي حفظت عبر آلاف السنوات وحفظ بعضها في الكتب السماوية والقرآن الكريم، وكان البعض الآخر عبارة عن موروثات حفظت في الشعر.
اعتاد العرب على نقل أخبارهم وعلومهم، ونقصد هنا بالعلوم كل ما قد يفهم، من أخبار أو حتى معارف، عبر نظمها في شكل أبيات تحفظ المحتوى وتظهره في حلة جميلة، يستطيع بعد ذلك المستمع أن يحفظها وينقلها، ويتنافس كثير في تجويد أشعارهم، وصياغة كل تلك الأخبار أو المعارك وحتى وصفات العلاج ووصف بعض الأودية عبر كلمات جزلة أدبية وبليغة من أجل إيصال الخبر أو الرواية، وحفظ القيمة المعنوية والقيمية لذلك الموضوع.
ترسو المملكة اليوم على كنوز تراثية وحضارية وإنسانية عظيمة جدا، تسطر معاني الكرم، والإخاء، والتضحية، وأوقات أخرى تسطر الحرب والقوة والخصومة، وكان للعرب مكارم أخلاق أقرها الدين ومدحها. فنجد في قصص كثيرة من شتى بقاع المملكة ما زالت موروثا شفويا لم يدون، وبعضها قد دون، وبعضها الآخر نجد من الأحافير والتراثيات والأماكن التاريخية والتراثية ما يدل على قصص كثيرة، لكنّ شيئا لم يدون ولم يسمع عنه قصص، ولا تملك ها هنا إلا الخيال لترى عظمة الحدث وجمال المكان من جبال شاهقة أو حصون أبية أو حتى أوانٍ وفخاريات وحجارة، ورسومات حاولت تخليد شيء ما.
إن صناعة المحتوى المرئي تمر بعدد من المراحل، من بداية الفكرة وتحويلها إلى نص ثم اختيار طاقم التصوير، مرورا بالمعالجة الإلكترونية والمؤثرات بشتى أنواعها حتى عرضها في كل أنحاء العالم، وكثير من العمليات والتفاصيل يدخل بين أجزاء ذلك، وكثير من الخبرات والوظائف والمعرفة والتقنيات والبرامج الحاسوبية، والتدريب وكل هذا يعكس استثمارا من وإلى تلك الصناعة التي نسمع عن بعض الأفلام في الولايات المتحدة الأمريكية يصل عرض فيلم واحد مئات الملايين من الدولارات. بل يوجد ما هو أبعد من ذلك وهو استخدام ذلك المحتوى كأداة سياسية ناعمة موجهة لمختلف الشعوب في العالم أو لنصرة قضية ما أو الحرب على قضية أخرى. والسؤال الأهم يبقى: أي محتوى نريد؟ وهل نحن قادرون على صناعة محتوى يعكس قيمنا ويشارك في صناعة المحتوى المرئي لنا ويكون ضميرا أو مرآة تعكس فكر وقيم شعوبنا العربية؟
خلدت أسماء متميزة المحتوى العالمي المؤثر والمتميز في صناعة المحتوى المرئي، فمن منا لا يعرف فيلم الرسالة وفيلم عمر المختار؟ وكيف أننا نحتاج إلى أعمال ومحتوى بهذه المستويات من الاحترافية وهذا العمق من المحتوى المتميز والمؤثر في العالم أجمع.
برزت عديد من المواهب في المملكة لا سيما في المحتوى الفكاهي والهزلي، لكنه المهم الآن البحث في تاريخنا وهويتنا وثقافتنا والبحث في جغرافية المملكة وبين ثنايا جبالها وأوديتها لنجد القصة، ونجد القيمة، ونعكسها محتوى جميلا واحترافيا، بشتى صوره الدرامية كانت أم الوثائقية، لنكون مشاركين في المحتوى العالمي ولسنا مستهلكين وآخذين بعين الاعتبار جميع التفاصيل الخاصة بالتدريب وفتح مراكز التدريب على التصوير وبرامج التحرير السينمائية والترجمة وإعداد النصوص، والتسويق وغيرها من الصناعات والخدمات المساندة، وفي الوقت ذاته علينا ألا نعيد أخطاء الآخرين أو البداية من الصفر، حيث توجد أفضل المدارس والمعاهد العالمية في ذلك حول العالم، وهنا يجدر فعلا الاحتفاء وتقديم المحتوى القيمي الذي يكون قيمة مضافة للثقافة والحضارة والموروث المحلي والشعبي.
ختاما ينبغي الإشارة إلى أن المحتوى المرئي بشتى أصنافه وطرق عرضه، هو انعكاس وتطور للمحتوى البسيط النابع من الفكرة، ولكنه في عالم اليوم أصبح قوة اقتصادية وسياسية ودبلوماسية، يؤثر في شعوب العالم ويستخدم لصالح الدول وقضاياها، وما أحوجنا نحن اليوم إلى مثل هذا للتعبير عن قضايانا والدفاع عنها وطرحها أمام العالم أجمع بشكل متميز ومنظم ومنهجي، في ظل الهجمات التي تشوه كل جميل ارتبط بالعروبة والإسلام.
التعليقات