مكرم محمد أحمد 

حذرت صحيفة «هاآرتس» من أن إسرائيل يمكن أن تنزلق إلى مواجهة عسكرية فى قطاع غزة رغم أنها لا تسعى الآن إلى هذه المواجهة ولا تريدها لأسباب عديدة، أهمها أنها لم تستكمل بعد جهودها فى إقامة عائق مسلح تحت الأرض يمنع وصول الأنفاق إلى الأراضى الإسرائيلية، فضلا عن أن هناك شكوكاً قوية فى أن تكون حماس راغبة فى هذه المواجهة الآن، تأكيدا لحرصها على إنجاح جهود المصالحة الفلسطينية بعد إعلان الرئيس الأمريكى ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة للدولة الفلسطينية فى 6 ديسمبر الماضى .

وأكدت صحيفة «هاآرتس» أيضا أن إسرائيل تعود اليوم لتزويد قطاع غزة بالكهرباء التى توقفت عن تزويدها قبل 6 أشهر لتضيف هذه الخطوة ساعتين إضافيتين إلى 4 ساعات يحصل عليها القطاع فى اليوم الواحد بما يخفف من سوء الأوضاع فى القطاع، وذلك بناء على طلب من الرئيس الفلسطينى محمود عباس، وتعتبر عودة الكهرباء إلى مستوياتها القديمة واحدة من أهم آثار المصالحة الوطنية بين فتح وحماس.

ورغم إطلاق 45 صاروخا وقذيفة هاون من داخل قطاع غزة على المستوطنات اليهودية القريبة من حدود غزة، نرنيم وسيدروت، التزمت إسرائيل ضبط النفس وعدم تصعيد المواجهة لسببين أساسيين، أولهما أن تنظيم الجهاد الإسلامى فى قطاع غزة هو الذى أطلق الصواريخ وليس الجناح العسكرى لحماس الذى لايزال يؤكد التزامه بالمصالحة الوطنية، ويعلن عزمه على الاستجابة لمطالب فتح وتسليم أدوات السلطة فى القطاع والمضى قدماً فى توحيد أجهزة الأمن بعد أن تسلمت السلطة معبر رفح بالكامل، وثانيها أن صواريخ الجهاد التى سقط معظمها داخل أراضى المستوطنتين نرنيم وسيدروت لم يكن لها أثر يذكر على سكان المستوطنتين باستثناء صافرات الإنذار والعدو تجاه المخابيء والغرف الحصينة.

والواضح أن حماس تبذل غاية جهدها كى تلجم تنظيم الجهاد وبعض المنظمات الصغيرة وقف إطلاق النار، إلا أن الجهاد كثيرا ما يرفض الاستجابة لمطالب حماس إرضاء لكوادره العسكرية، ويصبح الرد الإسرائيلى عملا محتملا، وهذا ما حدث أخيرا عقب إطلاق تنظيم الجهاد عددا من قذائف الهاون أعقبها إطلاق إسرائيل عددا من الصواريخ استهدفت نفقا ثانيا تحت الأرض يقيمه تنظيم الجهاد ليصبح عدد الأنفاق التى دمرتها إسرائيل ثلاثة أنفاق فى غضون شهرين ونصف الشهر، والواضح أيضاً أن إسرائيل تؤثر الآن عدم التوسع فى عملياتها العسكرية داخل القطاع قبل أن تستكمل جهودها فى إقامة عائق مسلح فى باطن الأرض يمنع وصول الأنفاق إلى أراضيها، ويقلل من فرص الوصول المفاجيء إلى أى هدف إسرائيلي، وعلى خلفية هذا الموقف تستمر الجهود المصرية أملا فى تحقيق المصالحة بين حماس وفتح وردم الانفصال الجغرافى والعقائدى الذى فصل بين غزة والضفة الغربية .

صحيح أن رئيس الوزراء بنيامين نيتانياهو يكره من أعماقه أن تتوحد الضفة وغزة من جديد، وتنجح المصالحة الفلسطينية فى أن تعيد قطاع غزة للدولة الفلسطينية إلا أنه لا يرغب فى أن تضبط إسرائيل متورطة فى إفشال مشروع المصالحة من خلال عملية تآمر مكشوفة .

وغاية ما تريده إسرائيل أن يبقى قطاع غزة معزولا عن الضفة سواء بقى إمارة إسلامية تحكمها جماعة الإخوان أو بقى قطاعاً منفصلاً يتولى المصريون إدارته، وهذا ما ترفضه مصر بصورة قاطعة، لأن دولة فلسطينية دون أن تكون القدس عاصمة لها ودون أن يكون قطاع غزة جزءا لا يتجزأ من الدولة الفلسطينية مجرد مسخ مشوه لا معنى ولا كيان له .

وكما يكره بنيامين نيتانياهو رئيس وزراء إسرائيل، أن يصبح قطاع غزة جزءا من الدولة الفلسطينية يكتمل به حل الدولتين، ويرى ويعمل من أجل أن يكون قطاع غزة تحت إدارة مصر تتحمل مشكلاته ومسئولياته، بينما تنهب إسرائيل أرض الضفة قضمة قضمة وتحاصر القدس الشرقية بالمستوطنات، وتخلق فيها واقعا جغرافيا وثقافيا وسكانيا جديدا يعطى لإسرائيل كياناً آخر جد مختلف، يعمر بكنيسة القيامة والمسجد الأقصى وقبة الصخرة وآلاف الشواهد والآثار لم تكن أبدا جزءا من إسرائيل أو تاريخها، وشتان الفارق بين القدس الشرقية بدروبها الضيقة التى تنطق أحجارها بعبق تاريخها القديم وسحنات سكانها الذين ينتمون إلى الشرق وبين القدس الغربية المدينة اليدوية الصنع، لا تاريخ ولا ماض ولا أثر يذكر تبدو بلا طعم ولا لون ولا رائحة ولا تاريخ، بكل سحناتها المستوردة التى تغزو المكان .