صدقة يحيى فاضل

تعتبر إيران إحدى الدول الرئيسة والكبرى على مستوى إقليم الشرق الأوسط. هي إحدى الدول غير العربية الأهم بهذا الإقليم، إضافة إلى تركيا والكيان الصهيوني. وهي إحدى دول العالم العريقة والهامة. وما يجرى فيها من أحداث يهم المعنيين، إقليميا وعالميا، وإن كان شأنا داخليا. تمتلك إيران قدرا كبيرا – نسبيا – من عناصر «قوة الدولة» الستة، وهى: الموقع الجغرافي والطوبوغرافي، نوع وكم السكان، الموارد الطبيعية، القدرات التقنية، القوة العسكرية، والإدارة السياسية (نظام الحكم). فمن حيث الموقع، تقع في ملتقى قارات العالم القديم الثلاث، وتوجد بها سهول زراعية خصبة، ترفدها أنهار جارية، بمجموع مساحة قدرها 1.648.000 كم2. ويسكنها الآن حوالي 80 مليون نسمة. وغالبيتهم تحت سن 26 عاما.

ولكن هذا العدد متنوع الثقافات والمذاهب والأعراق... وإن ظلت السيادة للعنصر الآري، المعتنق للمذهب الشيعي. فضمن سكان إيران، تجد: الفرس والعرب والبلوش والأكراد والتركمان... إلخ. كما يتواجد السنة، ومذاهب وأديان أخرى، جنبا إلى جنب مع المذهب الجعفري الشيعي. لهذا، ما زالت درجة انصهار «الشعب» الإيراني محدودة.

أما الموارد الطبيعية، فإيران غنية بمواردها الزراعية والمعدنية، المختلفة... وفيها احتياطيات كبيرة من المعادن الهامة، إضافة لكونها إحدى الدول المنتجة والمصدرة الرئيسة للنفط والغاز. ومن حيث قدرات شعبها التقنية، تعتبر إيران واحدة من أكثر دول العالم الثالث تقدما تقنيا، وإن ما زالت بنيتها التقنية متواضعة - مقارنة بالدول الصناعية. وعسكريا، فإن لديها جيشا قويا – نسبيا – مزودا بأسلحة أمريكية وروسية وصينية وإيرانية... وإيران قادرة على امتلاك الخيار النووي – المصنع ذاتيا – في مدى قريب، إن تمكنت من الإفلات من الرقابة والمعارضة الدولية الصارمة التي تواجهها منذ سنوات، والتي ينص عليها الاتفاق النووي الذي أبرم بين إيران ومجموعة دول 5 + 1، والذى ينادي الرئيس الأمريكي الحالي بإلغائه، بينما يصر بقية شركائه على التمسك به.

****

أما إدارتها العليا الحالية (حكومتها) فإن أهم ما يلاحظ عليه، هو:

1- كون المذهب الجعفري وحده هو مصدر التشريع الرئيس فيه.

2 - وجود منصب «المرشد الأعلى»... والذي يختار من قبل كبار رجالات الدين، ولهذا المرشد سلطات واسعة جدا... تفوق ما للسلطات الرئيسة الثلاث من صلاحيات.

3- تواجد مؤسستين رقابيتين (مصلحة تشخيص النظام، ومصلحة صيانة الدستور) غير منتخبتين، ولهما سلطات كبيرة.

4- حصر «الترشيح» لمناصب السلطات العليا الثلاث في المزكين من قبل بعض رجال الدين، والذين توافق مصلحة صيانة الدستور على ترشحهم.

5- وجود قيود مشددة على نشاط الأحزاب السياسية، بأنواعها.

6- تقييد الكثير من الحريات العامة.

****

ومن ذلك، نرى أن هذا النظام مازال إقصائيا... والمشاركة السياسية الشعبية فيه محدودة، نسبيا... الأمر الذي يتسبب - في المديين المتوسط والطويل - في نشوء «عدم استقرار سياسي» مبطن...... يمكن أن تنتج عنه – إن اشتعل فتيله – قلاقل سياسية... غالبا ما ستؤدي إلى تمزق البلاد، وضعفها وتخلفها، وانهيار النظام نفسه. وهذا ما يحصل الآن بإيران. إذ اندلعت مظاهرات ومطالبات شعبية تنادي بالتغيير، وإطلاق الحريات، خاصة في ظل تدهور اقتصادي خانق يعاني منه الشعب الإيراني منذ سنوات، وتفاقم مؤخرا، نتيجة سياسات إيرانية، داخلية وخارجية، غير سليمة.

إن عنصر «النظام السياسي» هو أهم العناصر الستة لقوة الدولة - أي دولة... لأنه العنصر الذي إن صلح، صلح كل شيء، وإن فسد، خرب كل شيء، في الحياة العامة. فالنظام السياسي يمكن أن يرفع بيوتا لا عماد لها، ويمكن أن يهدم أصلب بيوت العز والشرف. إن النظام السياسي (لأي بلد) هو: الإدارة العليا لشؤونها العامة... وهذه «الإدارة» غالبا ما تبنى – إن صلحت – وتهدم إن فسدت.

وفي الوقت الراهن، نجد أن عنصر «النظام السياسي» في إيران، هو من أضعف العناصر الستة بها... للأسباب التي ذكرت آنفا، ولهيمنة الملالي، وهم يمثلون قلة قليلة من أبناء الشعب الإيراني، على مفاصله الأساسية. وحالها هذا كحال كثير من دول العالم النامي. ولو تم تفادي أهم ما يؤخذ عليه حاليا، لربما تمكن من قيادة إيران... لتصبح قوة إقليمية أكبر، على مستوى المنطقة. وما زال هذا النظام يسبب استياء في الداخل، وتخبطا في الخارج، نتيجة لبعض السياسات الخارجية السلبية، الناجمة عن انفراد قلة الملالى بمعظم الحكم.

إن محاولة فهم السياسة الخارجية والداخلية الحالية لإيران لا يمكن أن تكتمل إلا عبر فهم نظامها السياسي الثيوقراطي الحالي، لأنه – وحتى إشعار آخر - هو الذي يقود التوجه العام لإيران، ويصبغه بطابعه المميز. لذلك، سنلقي عليه مزيدا من الضوء في المقال القادم.

قال وقلت:

قال أمين مصلحة تشخيص النظام في إيران محسن رضائي (يوم 6 /‏ 1 /‏ 2018م): إن الاحتجاجات (التي تشهدها إيران منذ نهاية ديسمبر 2017م) جرى التخطيط لها في أربيل، من قبل أمريكا وحلفائها بالمنطقة.

قلت: وماذا عن سياسات النظام الإيراني، الداخلية والخارجية؟!.