أحمد الجميعة

اتجهت الأنظار إلى تسوية الأزمة السورية، وخروج الأسد من عنق الزجاجة الروسية، وما تبعها من محادثات استانا لتجميد مقررات جنيف، وفرض الأمر الواقع متزامناً مع قرار مناطق خفض التصعيد، ورغم أن هذا السيناريو بدأ واقعاً، إلاّ أن الموقف الأميركي بتشكيل قوة أمنية تحرس الحدود العراقية السورية التركية مؤلفة من 30 ألف جندي تقودها قوات سوريا الديمقراطية الكردية؛ قد أعاد الصراع مجدداً على الساحة السورية.

خارطة الصراع بعد القرار الأميركي انتقلت إلى (الخطة ب) التي لن تكون ألوانها زاهية، وإنما خطوط طول وعرض لتقسيم سورية، وإنشاء كيان كردي محاذياً لثلاث دول، حيث أصبحت أوراق الخطة الجديدة مكشوفة بعد دحر الجماعات والتنظيمات الإرهابية، وأصبح لكل طرف في النزاع قضيته، إلى جانب المصالح التي عمّقت من الأزمات الداخلية بين الحلفاء أنفسهم، ولم يعد التوازن بديلاً عن أطماع الاستحواذ والهيمنة لكل طرف.

تركيا على لسان رئيسها رجب طيب أردوغان أعلنت عن عملية عسكرية محتملة ضد الأكراد في سورية، ولن تنسق مع الأميركان بل مع الرئيس بوتين الذي لا يزال دبلوماسياً في ردوده من القرار الأميركي، بينما تطالب إيران على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية بهرام قاسمي أن تخرج أميركا من سورية ومنح السوريين حق تقرير مصيرهم، أما العراق فقد نفى قبل أكثر من شهر أي تنسيق مع سورية الديمقراطية لتشكيل مركز أمني مشترك بين الطرفين لتأمين الحدود، وأبقى التعاون مستمراً من دون أي تصعيد.

كل المؤشرات تدلل على جرّ أردوغان إلى إشعال فتيل أزمة جديدة مع الأكراد، ومن ثم تجريده من طموحاته في سورية، والمنطقة ككل، حيث بدأ في خطاباته أكثر انفعالاً وتخوفاً من أي وقت مضى؛ لأنه يخشى من إقامة الكيان الكردي الذي سوف يرتد على بقية مكونات القومية في الداخل، وهنا كان أمير قطر حاضراً لتقديم الدعم المادي لحليفه؛ لأنه يخشى على مصيره من أي تهور تركي مقبل، أو رد أميركي محتمل.

إيران هي الأخرى لن تحرّك وكيلها حزب الله في إثارة أي جبهات للقتال في سورية؛ لأنها باختصار لن تغيّر من الواقع شيئاً، وتريد أن تحفظ خط الرجعة مع الروس وفق تفاهمات ما بعد التقسيم المحتمل في سورية.

خارطة الصراع في سورية لم تتغيّر على مستوى اللاعبين فيها، ولكنها حددت حجم وحدود كل طرف؛ فتركت للروس مصالحهم في إقامة قواعد عسكرية والتمسك بالأسد كخيار استراتيجي للعبور إلى المرحلة الانتقالية، بينما الأميركان سيقيمون دولة الأكراد ضمن مشروع التقسيم في المنطقة، أما تركيا فستبقى جبهة الأكراد صداعاً مزمناً لها على مدى عقود، وسوف تنكفئ على داخلها، ومثلها إيران التي لن تتمدد كثيراً على حساب مصالح القوتين الروسية والأميركية.