أحمد عبد المقصود

ليست المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل وحدها التى تنفست الصعداء إثر موافقة الحزب الاشتراكى الديمقراطى أمس الأول بأغلبية ضئيلة على مشاركته فى تشكيل الحكومة المقبلة..بل كان مارتن شولتز المنافس الأبرز لها ورئيس الحزب، الأكثر سعادة ونشوة بعد نجاحه فى التغلب على معارضيه داخل الحزب..وكذلك أيضا الرئيس الألمانى، لاستبعاد سيناريو اللجوء إلى إعادة الانتخابات التشريعية مرة أخرى.. وبهذه الموافقة تبدأ ميركل وشركاؤها من الأحزاب مرحلة أخرى من المفاوضات حول تعديل بنود وثيقة التفاهم المبدئية وتوزيع الحقائب الوزارية والتى من المنتظر ان تشهد مفاوضات شاقة تستمر حتى منتصف فبراير المقبل.

فى قلب مدينة بون الألمانية والتى تقع شمال ولاية الراين عقد الحزب الاشتراكى الديمقراطى مؤتمره الاستثنائى على مستوى مندوبى الولايات الاتحادية للتصويت على المشاركة فى ائتلاف حكومى مع الحزب المسيحى بزعامة ميركل وحليفها بولاية بافاريا، حيث وافق 362 مقابل 279 صوتوا ضد التحالف وذلك من أصل 642 يمثلون عدد الأصوات..

 

وعلى الرغم من هذا الفوز الضئيل أو «الخجول» كما أطلق عليه المراقبون إلا أنه يمثل بادرة أمل جديدة لإحياء أقوى حكومة أوروبية من حالة جمود امتدت لأكثر من أربعة أشهر منذ انتهاء الانتخابات التشريعية سبتمبر الماضى، ظلت خلالها ميركل ترأس حكومة تسيير أعمال لا تدعمها شرعية الصندوق وهو ما انعكس على أدائها داخليا وخارجيا.

بالطبع استقبلت ميركل موافقة الحزب الاشتراكى على مشاركتها تشكيل الحكومة بسعادة بالغة، أرجعها المراقبون إلى أنها بذلك قد ضمنت الاحتفاظ بكرسى المستشارة للسنوات الأربع المقبلة بعد أن كانت قاب قوسين أو أدنى من فراقه ووداع الحكومة، وذلك لأن عدم موافقة الحزب الاشتركى كان سيطرح سيناريو حكومة أقلية لن تستمر إلا شهورا قليلة سيقوم بعدها الرئيس الألمانى بإعادة الانتخابات مرة أخرى ولكن بدون ميركل، حيث أن الخسائر التى حققتها فى الانتخابات التشريعية الأخيرة لن تسمح لقادة حزبها بالمغامرة بترشيحها مرة أخرى.

وبالفعل عقب إعلان نتيجة التصويت رحبت ميركل بهذه الخطوة وقالت إنها تسعى لتشكيل حكومة قوية مستقرة، وكشفت عن رغبتها فى بدء المفاوضات الخاصة ببعض النقاط المتعلقة بالمذكرة الاستكشافية وبتشكيل الحكومة فى أسرع وقت ممكن..وفى المقابل جاءت تصريحات شولتز رئيس الحزب الاشتراكى لتؤكد أنه على ميركل وحلفائها أن يستعدوا لمفاوضات شاقة تتعلق ببعض النقاط الداخلية فيما يخص الضرائب وعقود العمل وكذلك الخارجية تجاه الإتحاد الأوروبي..وقد أرجع المراقبون هذه التصريحات لشولتز التى وصفوها ب»المشاكسة» إلى انه يحاول من خلالها أن يثبت للأعضاء الذين صوتوا ضد التحالف أنه لن يتنازل عن مطالب الحزب التى لم تتحقق فى بنود وثيقة التفاهم التى تم الإعلان عنها قبل التصويت.

ولكن مشاكسة شولتز وتصريحاته لمندوبى الولايات لم تكن كافية على الإطلاق لقادة الحزب الكبار الذين أكدوا فى تصريحات صحفية عقب التصويت أنهم لن يتنازلوا عن مطالب الحزب الأساسية خلال المفاوضات المزمع إجراؤها خلال الأيام المقبلة وهددوا بأنهم سيعملون على عرض نتائج هذه المفاوضات على أعضاء الحزب للموافقة عليها او رفضها.

وهنا وصف المراقبون المفاوضات التى سوف تجريها أنجيلا ميركل وتحالفها المسيحى مع الحزب الاشتراكى الديمقراطى لتشكيل حكومة ائتلافية ضد التيار الجارف لرغبة المواطن الألمانى، الذى سبق أن أعلن رفضه التام لحكم الشريكين أمام صناديق الاقتراع خلال الانتخابات التشريعية الأخيرة التى جرت نهاية سبتمبر الماضى..ولكن يبدو أن المستشارة وتحالفها لا يلتفتون كثيرا إلى رأى المواطن ويمضون قدما تجاه التحالف لضمان استمرارها على رأس المستشارية الألمانية والإفلات من سيناريو إعادة الانتخابات التشريعية مرة أخرى وهو الأمر الذى يتحاشاه الجميع..خوفا من صعود الحزب اليمينى المتطرف..

وبالفعل فقد أطلقت بعض الصحف على هذا التحالف المزمع «تحالف الضرورة» أو «الدواء المر»الذى سوف يتقبله قادة أحزاب المسيحى الديمقراطى والاشتراكى الديمقراطى رغما عنهم لإنقاذ ألمانيا وأنفسهم من الدخول فى دوامة ضبابية تطيل من عمر الأزمة التى تعيشها الحكومة منذ ما يقرب من أربعة أشهر.

وقد عكست التصريحات الأخيرة لعمدة برلين مايكل مولر حالة الشارع السياسى فى العاصمة الألمانية حيث وجه تصريحات حادة للتحالف المزمع واصفا إياه بأنه ضد رغبة المواطن الألمانى، مضيفا فى تصريحات صحفية «أن الانتخابات التشريعية الأخيرة أسفرت عن تصويت الناخب ضد هذا الائتلاف.. مما يعنى أن تشكيل الائتلاف نفسه وبالسياسة نفسها لا يشكل الرد المناسب»

وقد اتفق العديد من المراقبين مع تصريحات مولر المعروف بانتمائه للحزب الأشتراكى الديمقراطى وذلك على خلفية ضعف الأداء الحكومى لأعضاء الائتلاف أنفسهم خلال اشتراكهم فى حكومة 2013-2017 مما أدى إلى فقدانهم العديد من مقاعد البوندستاج فى انتخابات سبتمبر الماضى وأدى إلى حالة من الارتباك غير المسبوق الذى تعيشه الحكومة الألمانية حاليا..

وطالب أيضا رالف شتيجنر عضو الحزب الأشتراكى بتعديل بنود الوثيقة مؤكدا أن حزبه لن يحكم مع المحافظين من دون إلغاء احتمال توظيف أشخاص وفق عقود محددة الأمد من دون مبرر..وقال شتيجنر لصحيفة «دى فيلت» الألمانية واسعة الانتشار إن «الحزب الاشتراكى الديمقراطى يجب إلا يدخل فى ائتلاف إلا إذا ألغى تحديد مدة عقود العمل من دون مبرر».

ولكن فى المقابل أرجع المراقبون تأييد قادة الحزب المسيحى الذى تنتمى إليه ميركل لهذا التحالف إلى أنه يمثل الفرصة الأخيرة لهم للاستمرار فى حكم البلاد للسنوات الأربع القادمة..بالإضافة إلى أن بنود الوثيقة التى وافق عليها الحزب الاشتراكى جاءت فى صالح سياستهم خاصة فيما يخص أعداد اللاجئين حيث وافق الاشتراكيون على دخول 200 ألف لاجئ سنويا وهو ما يفوق ما طالب به الحزب المسيحى.

وما بين الفريقين وأقصد هنا التحالف المسيحى والحزب الاشتراكى، يقف الشعب الألمانى الذى لا يتوقع الكثير من الائتلاف الكبير حيث كشف استطلاع للرأى عقب توقيع بنود الوثيقة وإعلان قادة الأحزاب عن اتفاقهم.. إن أغلب المواطنين الألمان يعتبرون تشكيل ائتلاف كبير بمثابة تحالف طارئ فحسب دون أية رؤى، وأنها لا تتوقع منه إنجاز الكثير..وبحسب الاستطلاع الذى أجراه معهد «فورزا»، فإن 90% من المشاركين فى الاستطلاع لا يتوقعون الاستقرار للحكومة الجديدة، وأظهر الاستطلاع أن 8 % فقط هم من يتوقعون أن تحدث انطلاقة وتجديد للمجتمع من جانب طرفى هذا الائتلاف المحتمل.

واقع الحال يقول إن ما قام به الاشتراكيون الديمقراطيون والمحافظون جاء تحت مسمى «ائتلاف الضرورة» إذ ليس لديهما خيارات كثيرة أخرى ويسعيان لتجنب إجراء انتخابات جديدة سيخرج الجميع منها خاسرا.