خليفة علي السويدي

 بعد انقضاء عهد الشاه الإيراني بكل ما تحمله هذه الكلمات من معانٍ، جاء عهد جديد لهذه الأرض التي تجاورنا جغرافياً. وبإمكان الإنسان تجاهل العديد من المتغيرات العالمية، لكن الجغرافيا السياسية لها بصمتها، تفاءل الناس خيراً بالشعارات التي انطلقت في بداية الثورة الإيرانية، فبعد نظام القمع والاستبداد والعنجهية الشاهنشاهية توقع الناس نظاماً يحقق طموحات الشعب الإيراني، بيد أن الواقع قال للناس عكس ما توقعوا فأصبح الاضطهاد مشرعاً لكن باسم الدين، وأضحى التوسع مبدأ أقره الدستور الإيراني الجديد تحت بند تصدير الثورة، هذه القاعدة جعلت إيران مركزاً لتدريب جيوش من الشباب على قيم الولاء الطائفي، تحت ما يعرف بولاية الفقيه، ووفدت لإيران أياد بايعت آياتها على السمع والطاعة، أضحت هذه الأنفس أدوات تسخرها إيران لمصالحها التوسعية. فما «حزب الله» اللبناني إلا جيش منتم لإيران إنْ كانت لغته عربية فهويته العقدية فارسية. وقد تم استنساخ هذا الحزب في جل دول المنطقة، وما الظاهرة «الحوثية» في اليمن إلا نموذجاً لمثل هذا الحراك. ولولا تنبه القيادات في كثير من دول العالم العربي تحديداً في السودان ومصر والمغرب لأصبحت تلك الدول، وقد شق لحمتها كيان تابع لإيران.. كل هذه الأحزاب والجيوش أنفقت عليها الثورة الإيرانية عبر السنين ميزانيات سخية، كانت على حساب التنمية الحقيقية للأراضي الإيرانية، فلماذا فشلت محاولات التغيير الإيرانية التي كان من المتوقع أن تمثل نواةً لما يمكن تسميته بـ«الربيع الفارسي».

من يتابع مجريات ما عرف بـ«الربيع العربي»، يجد أنه بدأ بمسيرات مشابهة لدعاوى التغيير في إيران، ولأسباب متقاربة مع الواقع الإيراني ملخصها انعدام التنمية والدعوة للعدالة والحرية. بذور «الربيع العربي» سقتها أجندات خارجية، فتصريحات وزراء الدول الأجنبية كانت إما مؤيدة لتلك المسيرات مرحبة بها، وفي أفضل الحالات محايدة متربصة، لم نجد مثل تلك التصريحات العالمية لمحاولات التغيير الإيرانية، وكأن العالم الديمقراطي بينه وبين حكومة طهران أجندات مشتركة للخبطة المنطقة في مقابل السكوت عن الشأن الداخلي الإيراني، ولم نستغرب مثل هذا النهج، وقد أقر العالم بلغة الواقع، وليس العبارات التدخل الإيراني في العراق أولاً وسوريا ثانياً واليمن حديثاً.

الأمر الثاني الذي لفت انتباهي تجاه مجريات الأمور في إيران هو التعتيم الإعلامي، خاصة في وسائل الإعلام الغربية، لحجم الاستياء الداخلي لدى الإيرانيين. ومن يقارن الحماس الإعلامي الدولي أيام بدايات «الربيع العربي»، وبالذات الدور المحوري الذي لعبته قناة «الجزيرة» الإخبارية بجناحيها العربي والإنجليزي في تهويل الأمور والدعوات المباشرة وغير المباشرة للتغيير، وإبراز التضحيات وتهويل التجمعات، يعرف أن للإعلام دوراً لا يستهان به في تأجيج المشاعر، لم نجد لاستياء الداخل الإيراني تغطيات إعلامية كتلك التي جرت مع انطلاق المسيرات في الدول العربية، علماً بأن الحدود لم تعد تمثل تلك السدود تجاه معرفة ما يجري في أي بقعة من العالم، لكنها الأجندات الخفية لعبت دورها في تأجيج المسيرات العربية وعدم الاكتراث بحجم الاستياء في الداخل الإيراني.