&يوسف القبلان

السباق على الأخبار لم يعد هو ميدان المعركة، التحليل والتعليق وصياغة الخبر والحوار هو الميدان، الحرب الإعلامية حولت وسائل الإعلام إلى أحزاب سياسية..

الحرب العالمية الثالثة بدأت فعلاً لكنها حرب إعلامية. ليس جديداً استخدام الإعلام كوسيلة من وسائل الحرب النفسية. الجديد هو أن الإعلام في متناول الجميع. كل سكان العالم وسائل إعلامية. أحدث الأسئلة المستخدمة في هذا المجال هي ( وسائل التواصل الاجتماعي) الأسلحة القديمة مثل الصحف الورقية لم تفقد تأثيرها لكنها تواجه منافسة شرسة، الراديو صار من بقايا الحرب العالمية الأولى، القنوات التلفزيونية مازالت على خط النار مستخدمة سلاحاً يسمى الحوار والتقارير. السباق على الأخبار لم يعد هو ميدان المعركة. التحليل والتعليق وصياغة الخبر والحوار هو الميدان. الحرب الإعلامية حولت وسائل الإعلام إلى أحزاب سياسية، أصبحت مقيدة بمصالح حزبية وأهداف سياسية، فانتقل المتابع من متابعة وسائل الإعلام التقليدية إلى الوسائل الحديثة بحثاً عن الحقيقة لكنه كان كالمستجير من الرمضاء بالنار، فقرر العودة إلى الإعلام التقليدي هرباً من الفوضى والضجيج وسباق الشتائم وإطلاق الشائعات. الإعلام التقليدي أصابته عدوى الوسائل الحديثة فصار- ياللغرابة -

وبمبرر الحرية يطلق الإشاعات والأكاذيب والإساءات والآراء المتطرفة. معركة شرسه تبدأ بشرارة وتنتهي بحريق يحرق العقل والمنطق والأخلاق. دول عظمى تغيب فيها الحقيقة لأسباب حزبية، وتختفي القيم لأسباب انتخابية. ودول تتوهم أنها عظمى سلاحها اختراع الأخبار والإشاعات لتحقيق أهداف سياسية أو اقتصادية. القضايا القانونية أصبحت مسرحاً للمعارك الإعلامية. تحولت وسائل الإعلام إلى منصات قضائية تخضع أحكامها للتحزبات السياسية والابتزاز. صحف عالمية عريقة رصينة فقدت استقلاليتها وخضعت لنفوذ المال.! ودول صغيرة جداً لا ترى على الخريطة تحولت بمالها وإعلامها إلى عضو مهم في التنظيمات المسؤولة عن نشر الفوضى والانقسامات في المنطقة العربية وغير العربية، ومصدراً للإعلام الكاذب.

الحرب العالمية الإعلامية لا تحدها قيود زمنية أو حدود جغرافية، تقنية اتصالات فائقة تنقل الخبر أو الرأي بسرعة هائلة، ترسل التغريدة فيصلك الرد وأنت تحاول تعديلها، تنشر الإشاعة فتقوم بمهمة التدمير بينما أنت في حالة ندم وتحاول حذفها.! تخترع الكذبة فتفعل فعلها في إشعال نار الفتنة.

حرب إعلامية شرسة تستخدم شعارات مثل حقوق الإنسان، والحرية، والعدالة كأسلحة لمحاربة أعداء يتم اختراعهم بطريقة انتقائية بهدف تحقيق مآرب مخالفة لتلك الشعارات. تنتقل الحرب إلى المواقع المستهدفة حسب المصالح. لا يجذبها جسامة الحدث بل مصدره.! الانتماءات والمصالح تحل محل القيم في الحرب الإعلامية. هجمات إعلامية جريئة تزعم انتصارها لقيم الديموقراطية والحرية وحقوق الإنسان تصوب سهامها للدول بمعاييرها الخاصة ثم تجبن أن تنتصر لهذه القيم في دول أخرى تحت ضغط المصالح والانتماءات. العالم الثالث متهم بتقييد حرية التعبير، وفي العالم (الأول) مازال في الذاكرة كتاب (من يجرؤ على الكلام)، وكتاب (من يجرؤ على النقد) وهما كتابان يتحدثان عن القيود على حرية التعبير خاصة إذا كان الأمر يتعلق بسيطرة اللوبي الإسرائيلي على القرار الغربي. في العالم الأول يطالبون بحرية الإعلام ويصفه زعيم العالم الحر بأنه عدو الشعب.! فكيف يطالبون بحرية عدو الشعب.!

في العالم الأول يطالبون بحرية الرأي في العالم الآخر بشرط عدم المطالبة بالسيادة والاستقلال والحقوق المغتصبة. يطالبون بمحاربة الإرهاب، ويطالبون بحماية حقوق الإنسان الإرهابي.!

الإعلام حين يتخلى عن أخلاقيات المهنة يتحول الى أسلحة من أسلحة الدمار الشامل التي لا ينعقد مجلس الأمن لوقفها رغم أنها المسؤولة عن تدمير العقول ونشر الكراهية التي قد تتطور إلى حروب.

هذه الحرب الإعلامية كشفت لنا في المملكة العربية السعودية حاجتنا إلى وسيلة إعلامية دولية باللغات الحية تنطلق من ثقافة تعتمد على المبادرات وليس ردود الأفعال ونخاطب فيها الآخرين وليس أنفسنا بخطاب يصل إلى الهدف بطرق غير مباشرة وبلغة الحقائق والأرقام وبأداء ومحتوى يتفق مع مكانة المملكة وثقافتها ودورها العالمي المؤثر.

&

&