أحمد السعداوي&&

آمن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، بدور الإعلام في بناء دولة الاتحاد وتحقيق نهضة الوطن والأمة، وأولى عناية كبيرة لهذا القطاع الحيوي، إيماناً منه بأهمية الإعلام وقدرته على نقل الحقائق والمتغيرات التي يعيشها المجتمع، حيث أنشئت في عهده العديد من المؤسسات والكيانات الإعلامية ذات الشأن الكبير على المستويات المحلية والإقليمية والعالمية. واستطاعت هذه المؤسسات نقل صورة حقيقية عن مراحل النهضة غير المسبوقة التي حققتها دولة الإمارات خلال سنوات وجيزة، وتعاونت مع مختلف وسائل الإعلام العالمية، التي تتوافد على الإمارات عبر السنين، وترى رؤية العين هذه الإنجازات التي حققها «عيال زايد» والتي ما كانت لتتم لولا إيمان المغفور له الشيخ زايد بقيمة الإنسان، وبأنه الهدف الأسمى من أي عمليات تنمية يشهدها المجتمع، ومن حق هذا الإنسان أن يطّلع على ما حوله من أخبار ومتغيرات ووقائع، وهذا لن يتأتى بطبيعة الحال إلا من خلال إعلام قوي وفعّال، يوازى النهضة التي حققتها الدولة في كل المجالات ومنها الإعلام.

الشفافية والموضوعية


من الذين عاصروا هذه المراحل المهمة في تاريخ دولة الإمارات، واهتمام الشيخ زايد رحمه الله بالإعلام، إبراهيم العابد، مستشار رئيس المجلس الوطني للإعلام، الذي أكد أن الشيخ زايد منذ بداية عهده، كان يمارس الإعلام خلال مسيرته ولم يكن يحكي عنه، وكان رحمه الله حريصاً على الشفافية، والتحدث عن كافة القضايا التي تمس المجتمع والإنسان، انطلاقاً من إيمانه بأن أهم ثروة تمتلكها الإمارات، هي الإنسان، وبالتالي يجب أن تعطى للإنسان كل الإمكانات والفرص للنمو والتقدم، ولذلك لا بد من مشاركة البشر في عملية التنمية، وأفضل سبيل لتحقيق هذا الهدف هي وسائل الإعلام، باعتبارها وسيلة تواصل فعال بين كافة المسؤولين وأفراد الجمهور، حين تتسم بالشفافية ونقل الأحداث بموضوعية.


وأورد العابد أن هناك العديد من الوقائع التي تبرهن على الأهمية الكبرى التي أولاها المغفور له الشيخ زايد للإعلام، ومن ذلك أنه في عام 1996، خلال مقابلة له مع محطة الـ«بي بي سي» سألوه عن التغيير الذي حدث في الإمارات، فأجابهم: «حين بدأت المسؤولية سنة 1966، سألت أحد المواطنين.. ماذا لو حدث وأصبح لدينا قانون ونظام ومؤسسات؟ فقال لي: يا الشيخ زايد، حين أرى الناقة تمشي على ظهرها سأصدق ذلك، بعدها بعامين جاء هذا الشخص فنظرت إليه، وقلت له: الآن ماذا تقول، فأجاب: الناقة تمشي على ظهرها»، حيث صارت هناك دولة ومؤسسات ومؤشرات لوجود كيانات إعلامية ضخمة على أرض الإمارات.

صورة الإمارات


وفي عام 1990، كان الشيخ زايد في جولة باليابان وإندونيسيا والصين، ودُعي للقائه حوالي 40 صحفياً من الدول الثلاث، وهي واقعة يندر أن يقوم بها رئيس دولة، أن يقبل بلقاء 40 صحفياً من مؤسسات إعلامية مختلفة، كل منهم بمفرده، ويطرح عليه سؤالاً مختلفاً، غير أن أحد الصحفيين بعد أن انتهى من سؤاله الأول، وبدأ في الثاني وحاول أحد المرافقين ثنيه عن السؤال الثاني ليلتزم بما هو محدد له من وقت، إلا أن الشيخ زايد أتاح له الفرصة، واستمع إلى سؤاله بأريحية، وفي هذا دليل قاطع على تقديره للإعلام والإعلاميين، وأنه يعطيهم من وقته الكثير.
وخلال زيارة له لليابان، بعد انتهائه من حوار مع صحفية يابانية، أخبرها بأن كل هذا الكلام لا يكفي للحديث عن التغيرات التي شهدتها الدولة، وإنما عليها زيارة الإمارات لترى ذلك بعينيها، وهو موقف مشابه لما حدث خلال السنوات الأولى لبداية حكم الشيخ زايد، وقيام الدولة حين كتب أحد الصحفيين المشهورين في دولة عربية، مقالاً ينتقد للإمارات، وعُرِض الموضوع على الشيخ زايد، فوجه بدعوة الصحفي لزيارة الإمارات ليرى بنفسه الحقيقة، ويقابل الشيخ زايد بنفسه، فهذا هو الجواب الحقيقي والطريقة الصحيحة للتعامل مع الإعلام، فلا يكفي أن ترسل رداً للإعلامي عما طرحه، وإنما إتاحة الفرصة ليشاهد الحقيقة وينقل الواقع بنفسه، وهذا ما آمن به زايد، رحمه الله.

إبراهيم العابد


وأضاف العابد: هذا يبرهن أن زايد، رحمه الله، كان حريصاً على الالتقاء بكبريات الصحف والمؤسسات الإعلامية العالمية رغم مسؤولياته الكثيرة، لأنه آمن بضرورة أن يعرف العالم ماذا يحدث في الإمارات، وأن تعكس صورة العالم عن الإمارات الواقع الحقيقي.
وعلى الصعيد المحلي، وفي سبعينيات القرن الماضي قام أحد رؤساء الدوائر بالاتصال برئيس دائرة الإعلام شاكياً له وجود مقال في صحيفة محلية يحمل انتقادات حادة لهذه الدائرة، وبأن ذلك لا يجوز وفيه تقليل من الجهد التي تبذله تلك الدائرة، فنقل رئيس دائرة الإعلام للشيخ زايد ما حدث، فانتظر المغفور له حتى المساء، وفي حضور رؤساء الدوائر وكبار المسؤولين في المجلس الخاص به، قال رحمه الله: «نحن نعمل ومعرضين للخطأ وأي مسؤول يبذل جهداً، وقد يخطئ، والخطأ شيء جيد لأنه يعني أنك تعمل، وعلينا أن نشكر الإعلام حين يظهر لنا الأخطاء ونقاط الضعف، وعلى الإعلامي أن يزور المواقع ويرى بنفسه إذا كان هناك نواقص ويبلغ عنها، لأنه في هذه الحالة يكون الذراع اليمين للمسؤول وعينه التي يبصر بها، والأذن التي يسمع بها، فالمسؤول لا يمكن أن يطلع على كل شيء».

التسامح والتعايش


ومن الأشياء المهمة التي كان الشيخ زايد، رحمه الله يرسخ لها، أن دولة الإمارات تقوم على التسامح والتعايش، وبقدر وجود الحرية، إلا أنه لم يكن لديه أي استعداد لأن تتحول دولة الإمارات إلى مسرح أو مكان لعرض الخلافات بين الدول، وعلى سبيل المثال حين قامت الحرب بين العراق وإيران، وجّه- رحمه الله- بأنه في كل الحالات علينا أن ننأى بإعلامنا وأنفسنا عن زيادة الفُرقة، وإنما نركز على الجوانب الإيجابية ونواحي التنمية، وفي الوقت ذاته، نحافظ على حقوقنا من دون أن نثير الغير ونطرح المشاكل.
وانطلاقاً من إيمان المغفور له الشيخ زايد بالإنسان قبل أي شيء، كان يقوم وبشكل غير مباشر بوضع خطوط إرشادية للعمل الإعلامي، وبضرورة إعلاء قيمة الإنسان في كل الظروف، ومن ذلك أثناء إحدى زياراته للمنطقة الغربية «منطقة الظفرة حالياً» ووجد أن مدرسة لم يوجد بها سوى طالب واحد فقط، فوجه باستمرار فتح المدرسة لاستقبال هذا الطالب وتقديم الخدمات التعليمية كافة له، وتشجيعه على العلم والتحصيل مهما كانت التكلفة.

هوية الاتحاد
ومن الخطوات الإعلامية البارزة في عصر الشيخ زايد، وبعد قيام الاتحاد بسنوات قليلة، توحيد أسماء المؤسسات الإعلامية لتعبر عن وحدة الدولة، حيث قرر المجلس الأعلى للاتحاد عام 1976، أن تحمل كافة المؤسسات الإعلامية هوية الاتحاد وتعبر عنه، وعلى سبيل مثال تسمى إذاعة الإمارات العربية المتحدة من أبوظبي، إذاعة الإمارات العربية المتحدة من دبي، تلفزيون الإمارات العربية المتحدة من أبوظبي.. وهكذا، بحيث تعمل الوسائل كافة تحت شعار «دولة الإمارات العربية المتحدة». والهدف من كل ذلك تكريس وترسيخ مفهوم الاتحاد لدى الجميع من خلال الإعلام، وحسن استغلال الإعلام في تحقيق هذا الهدف الذي كان يضعه الشيخ زايد دوماً نصب عينيه خلال كل تحركاته في أنحاء الإمارات وخارجها، بأن الإمارات دولة واحدة وهمّ المواطن في أي مكان هو همّ الجميع.

حرية الرأي


وأورد العابد، أن الشيخ زايد كان حريصاً باستمرار على حرية الرأي والانفتاح، وأنه لم يتدخل يوماً في التوجيه بنشر أو منع أي موضوع، ونتيجة لهذه السياسة الانفتاحية للشيخ زايد وأهمية الاستماع لكافة الآراء وفي أواخر تسعينيات القرن الماضي حين تولى سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، مهمة وكيل وزارة الإعلام وقتها، التقى ببعض الإعلاميين في وكالة أنباء الإمارات، فأحد الإعلاميين المكلفين بتغطية أخبار المجلس الوطني الاتحادي، قال إنهم يغطون جلسات المجلس الوطني الاتحادي ولا ينقلون إلا ما هو إيجابي فقط ويبتعدون عن أي انتقادات للحكومة، فسأله سمو الشيخ عبدالله عن ذلك، وأكد أن دور المجلس الوطني الاتحادي هو مناقشة القضايا من جوانبها كافة سواء إيجابيات أو أوجه قصور، وعلى الإعلامي نقل ذلك كما هو، وليس التركيز على جانب دون آخر، وهكذا كانت الرؤية الحكيمة في التعامل مع الإعلام ودوره المهم في المجتمع انطلاقاً من مدرسة زايد، رحمه الله، الذي رسخ لقيمه وأهمية هذا الدور.
وتابع العابد: على هذا الأساس، فإن الإعلام لدى الشيخ زايد، رحمه الله، يجب أن يعبر عن واقع المجتمع، حيث فُتح المجال في عهده لبروز وقيام مؤسسات ومنابر إعلامية عديدة ومستقلة، سواء كانت صحفاً أم محطات إذاعية وتلفزيونية، وغيرها من وسائل الإعلام المقروء والمرئي والمسموع، من خلال المناخ الإعلامي الحر الذي اتسمت به الإمارات وأسهم في إفراز تجارب إعلامية ناجحة ولها حضورها على المستويين المحلي والعالمي، وتأكيداً على رؤية المغفور له الشيخ زايد لدور الإعلامي بأنه الذراع اليمنى للمؤسسات والدولة والعين التي يبصر بها المسؤولون، والأذن التي تسمع للآخرين، ويجب على كل إعلامي أن يعي ذلك بمسؤولية ونوع من الدقة وعدم الانسياق وراء الشائعات والأخبار غير موثوقة المصادر.

جريدة «الاتحاد» رفيق درب الوحدة وعنوان النهضة&
عندما تولى المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» مقاليد الحكم في إمارة أبوظبي في عام 1966 كان حلمه الكبير هو توحيد شعوب وأبناء المنطقة، من خلال اتحاد يضم الإمارات في دولة واحدة.. وكان يعلم أهمية قيام اتحاد يضم إمارات المنطقة، ويوحدها تحت راية ودولة متحدة ومستقلة وذات سيادة. وكان الشيخ زايد شديد الإيمان والثقة بفكرته هذه التي طالما سكنت وجدانه، ولهذا كان أول من نادى بالاتحاد بين الإمارات، خاصة بعد إعلان بريطانيا الانسحاب من منطقة الخليج العربي، إيماناً منه بضرورة إقامة كيان سياسي موحد له كلمة قوية ومسموعة في المحافل الدولية، وقادر على تقديم الحياة الأفضل لمواطنيه الذين طالما عانوا ظروف الصحراء والبحر المضنية.


وفي تلك الفترة، التي شهدت عملاً متواصلاً من المغفور له الشيخ زايد؛ إذ كان يقوم حينها بجهود مكثفة على قدم وساق مع إخوانه حكام الإمارات، سعياً لقيام اتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة، كان لا بد من وجود وسيلة إعلامية تتابع الحراك السياسي في البلاد، وتراقب التطورات والمتغيرات والأحداث المتلاحقة، وتنقلها لأبناء المنطقة، فجاءت فكرة إصدار صحيفة في أبوظبي تواكب تطورات الأحداث السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتعبر عن لسان حال شعوب المنطقة، وتشارك إعلامياً في دعم الجهود التي كانت تبذل من أجل قيام اتحاد الإمارات، وبالفعل أصدرت حكومة أبوظبي متمثلة بدائرة الإعلام والسياحة قراراً في عام 1969 بإصدار صحيفة أسبوعية تحمل اسم «الاتحاد»، وذلك تيمناً بالتحركات التي كان يقوم بها الشيخ زايد وإخوانه حكام الإمارات من أجل قيام دولة الاتحاد، وبناء عليه صدر العدد الأول من جريدة «الاتحاد» في 20 أكتوبر 1969، وأشرفت دائرة الإعلام والسياحة بأبوظبي على إصدار الجريدة، وسميت «الاتحاد»، تماشياً مع الرغبة الكبيرة لدى أبناء الإمارات في وجود كيان سياسي موحد، يجمع شعوب المنطقة ويوحدهم.

وكالة أنباء الإمارات إحدى المؤسسات الإعلامية الراسخة في المنطقة والعالم.


أطلقت وكالة أنباء الإمارات في يونيو عام 1977 استمراراً لمراحل إنشاء مؤسسات الدولة التي ولدت قوية بزعامة المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه» وإخوانه، رحمهم الله، القادة المؤسسين، حيث بدأت إرسالها الإخباري في 18 يونيو 1977 بعد صدور قرار وزاري بتأسيسها في نوفمبر عام 1976. واستطاعت وكالة أنباء الإمارات تكوين الكوادر الوطنية والعربية والخبرات المؤهلة لقيام مؤسسة تتولى جمع الأخبار المحلية والعربية والدولية عن طريق محرريها ومراسليها المنتشرين في الداخل والخارج. ووفرت الدولة لوكالة أنباء الإمارات كل المقومات التكنولوجية المتقدمة لأداء مهمتها على خير وجه، وأصبحت الوكالة كياناً عربياً شامخاً يؤدي دوره الوطني في تبني كل مجالات التقدم والتنمية التي تشهدها دولة الإمارات في جميع المجالات، لتكون هي المصدر الوحيد لأخبار الدولة الرسمية لجميع الصحف ووسائل الإعلام المحلية والعربية والدولية.


واحتلت وكالة أنباء الإمارات مكاناً بارزاً بين أكثر وسائل الإعلام تأثيراً على الصعيدين الداخلي والخارجي، واعتمدت على إمكاناتها الواسعة التي وفرتها الدولة لاستقبال الأخبار والخدمة المصورة، ونقلها إلى عدد كبير من وسائل الاتصال العالمية. كما ساهم مراسلو الوكالة في أهم العواصم العربية والعالمية في متابعة الأخبار الساخنة وقت حدوثها، وهي مؤهلة للقيام بهذا الدور لقدراتها التكنولوجية وكوادرها البشرية المدربة التي تستعين بها في جمع الأنباء وتوزيعها بلغات عدة، تأكيداً على مكانتها الكبيرة كإحدى المؤسسات الإعلامية الراسخة في المنطقة والعالم.

زايد.. فلسفة خاصة في حرية الصحافة والرأي


اعتمد المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، فلسفة خاصة في بناء الوطن وإرساء دولة الاتحاد، يأتي في مقدمتها آراؤه الخاصة بالصحافة والإعلام وحرية الرأي.. وانطلاقاً من أن الجميع شركاء في المسؤولية والمصير، كان مؤسس الدولة يرى أن الصراحة أمر مهم جداً وأن المجاملة لا تجوز على حساب المصلحة العامة. ومن هنا لم يكن غريباً أن يدافع المغفور له الشيخ زايد عن حرية الصحافة والرأي والنقد البناء. بل واعتبر من لا يدافع عن حريته مقصراً في أداء واجبه الوطني، واعتبر الصحفي جندياً في جيش أمته قادراً على الإقناع من دون تجريح، كما اعتبر إيمانه بحرية الصحافة موازياً لإيمانه بحرية المواطن وكرامته.

زايد والإعلام


كان المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان «طيب الله ثراه»، يتابع ما يتم تداوله عبر وسائل الإعلام المحلية والخارجية، ويوليه اهتماماً كبيراً، وكان يردد دائماً: «إنني أؤمن بدور الإعلام وأريد من كل مواطن أن يعبر عن رأيه بصراحة»، وكان يؤكد أن «الصراحة مهمة جداً، والمجاملة لا تجوز على حساب المصلحة العامة.. لأننا جميعاً شركاء في المسؤولية والمصير».
فالدور الأساسي لقطاع الإعلام بمفهوم المؤسس، طيب الله ثراه، هو نقل الأحداث والوقائع بحرية الصحافة والإعلام بما يسهم في نهوض الأمة، ويعزز من نهضتها وتطورها وإعلاء شأنها، لذا كان الإعلام شريكاً أساسياً قبل وبعد قيام الاتحاد.