علي سعد الموسى
يحاورني ممتعضاً وحادا مندفعاً حول ما يراه تقليصاً للخطاب الدعوي وانحسارا لدائرة انتشار المخيم والندوة والمعسكر. أجبته: أولاً لا دخل لي بكل هذا، ولربما أنه ضغط على الأرقام الهاتفية الخطأ. هو ثانياً، وتحت وطأة مستجدات الزمن ليس إلا بداية نهاية المنبر بكل أشكاله ومدارسه المتضادة. المسألة ليست فقط مع الشيخ ولا مع الداعية، بل حتى نهاية الشكل المنبري لمحاضرات الليبرالية والعلمانية. أتذكر على المستوى الشخصي أن الجمهور كان يفترش الأرض ذات مناظرة سجال بيني وبين صاحب فضيلة على مسرح نادي أبها الأدبي. اليوم لو عدنا سوياً إلى ذات المسرح فلربما لن تكتمل الكراسي في الصف الأول.
أتذكر أيضاً ذات زيارة للمفكر الضخم، تركي الحمد، وكيف كاد خوفنا في مجالس إدارة النادي أن يلغي المحاضرة بسبب الاحتشادات النفسية والبدنية في حضور لم تتسع له القاعة. ولو أننا دعوناه اليوم لاكتفى النادي بالصالون الداخلي الصغير، وهو بالمناسبة، يدير فعالياته اليوم في ذلك الصالون. النادي يبني مسرحاً جديداً ولكن في الزمن والوقت الخطأ.
إنها نهاية المنبر، فالذين يريدون اليوم شتم تركي الحمد أو قراءة أفكاره لم يعودوا بحاجة إلى محاضرة ومسرح. سيذهبون إليه على وقع الأزرار الإلكترونية، الذين كانوا يحتشدون بالآلاف لحضور المخيم الدعوي، هم، وبالبراهين مجرد العشرات، ولذات السبب في وقائع العصر المتسارعة. كان صاحبي يسمعني ويطلب أسباباً أخرى إلى جوار ذلك السبب، وحتى إن كان يظن أنني متورط في الدعوة إلى انفضاض الأتباع من حول الشيخ أو من خلف المثقف فسأجيب: متورط في دعوتي الدائمة إلى نقد وتجديد الخطاب. الشيخ الداعية الذي يطوف بنفس عنوان المحاضرة إلى كل منشط وكل خيمة ومنبر لم يكن ليعي رقابة التكرار على عقلية المتلقي.
ذلك بالضبط ما ينطبق على المفكر والمثقف. هؤلاء لا يشبهون سوى الجراح التقليدي الذي لا زال يرى المشرط ضرورة وحيدة لعلاج واستئصال أي ألم أو ورم. هؤلاء ينسون أننا في عصر الليزر والأشعة التداخلية، تماما مثلما نحن اليوم في عصر الرسالة القصيرة التي لم تقبل حتى بمضاعفة الحروف في تويتر. وكما تقترب نهاية عصر الورق، تقترب أيضاً نهاية عصر الشيخ التقليدي ووفاة المنبر.
التعليقات