عزيزة عبدالعزيز منير

 تراجعت أسهم شركة «فايسبوك» السوقية أخيراً بنحو 7 في المئة وخسرت عشرات بلايين الدولارات مع تزايد الضغوط عليها بسبب الاتهامات بأن بيانات ملايين المستخدمين تم التلاعب بها واستخدامها لأهداف سياسية. وتشير نتائج تحقيق استقصائي قامت به Channel 4 Newsالبريطانية بأن مجموعة من الباحثين النفسيين صمموا تطبيقاً اسمه This is your digital life أو «هذه هي حياتك الرقمية»، بهدف مساعدة المستخدمين على التحليل النفسي لشخصياتهم. وفي هذا الإطار أمكن التطبيق الوصول للبيانات الشخصية للمستخدمين والتعرف إلى تفضيلاتهم واهتماماتهم ومخاوفهم والمواقع التي يزورها وكذلك بيانات أصدقائهم والمقربين لهم.

لاحقاً باع التطبيق بيانات المستخدمين لشركة «كامبريدج أناليتكا» Cambridge Analytica وهي شركة استشارات سياسية ترأسها ستيف بانون الذي تولي منصب «رئيس الموظفين التنفيذيين» للحملة الانتخابية الرئاسية لترامب في 2016. يشير التقرير إلى أن الشركة استغلت بيانات المستخدمين الشخصية من أجل التأثير في الاتجاهات التصويتية لما يقرب من 50 مليون ناخب في الانتخابات الأميركية لمصلحة ترامب.

ويتفق كثير من المراقبين على أن شبكات التواصل الاجتماعي» وبخاصة «فايسبوك»، لعبت دوراً مهماً في توجيه التصويت لأشخاص أو قرارات بعينها، مثل ما حدث في الانتخابات الرئاسية الأميركية الأخيرة والاستفتاء الشعبي على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. فوفقاً لدراسة علمية نُشرت عام 1916 في «المجلة الدولية للتواصل» Journal of Communication، نتج في الولايات المتحدة عن تذكير فايسبوك المستخدمين باقتراب الموعد النهائي للتسجيل للانتخاب زيادة تقدر بـ650 ألف ناخب قاموا بتسجيل أنفسهم للانتخاب في ولاية كاليفورنيا وحدها. وبالمثل، ففي بريطانيا، أدى تذكير فايسبوك المستخدمين بموعد التسجيل للاستفتاء على خروج أو بقاء بريطانيا في الاتحاد الأوروبي إلى زيادة قدرها 186 ألف فرد قبل أيام من انتهاء مهلة الاستفتاء. وفي ظل غياب الوعي السياسي يتضاعف الأثر السلبي لـ «فايسبوك»، وهذا ما عبّر عنه داميان كولينز رئيس لجنة الثقافة والإعلام في مجلس العموم البريطاني، الذي أشار إلى أن الانتشار الممنهج للأخبار الكاذبة، بخاصة من المنظمات المدعومة من روسيا، قبيل استفتاء بريكزيت، أدى إلى تشجيع الناخبين على التصويت لخروج بريطانيا من الكتلة الأوروبية. إلا أن القائمين على فايسبوك يدافعون عن شبكة التواصل الاجتماعي الأكثر شهرة في العالم، حيث ساهم في زيادة نسبة المشاركة المجتمعية وأفسح المجال العام (الافتراضي خاصة) أمام آراء الناس وأفكارهم التي قد يواجهون صعوبة في الإفصاح عنها على أرض الواقع. وبينما نتفق مع فايسبوك على هذه المزية، إلا أنه على الجانب الآخر، فإن تزايد الإقبال على التعبير عن الآراء عبر وسائل افتراضية خلق ما يُطلق عليه armchair activism or slacktivism وهو ما يعني «النشاطية المتكاسلة أو المتثاقلة»، إشارة إلى افتقادها الاشتباك الفعلي على أرض الواقع والاكتفاء بضغط زر «like» بينما المستخدم يجلس على كرسيه في المنزل! ولعل أبرز مثال على هذا أنه على رغم حماس الشباب لبقاء بريطانيا كجزء من الاتحاد الأوروبي وتعبيرهم عن ذلك بقوة على صفحات التواصل الاجتماعى، فإن مشاركة الشباب الفعلية في الاستفتاء كانت متواضعة ولا تقارن بمشاركة كبار السن الذين رجّحوا بمشاركتهم الفعلية كفة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي!

وبصرف النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا حول تأثير فايسبوك في ممارسة الحياة الخاصة والعامة للأفراد، إلا أن الأكيد أن فايسبوك أصبح أضخم قاعدة بيانات في العالم تصنف البشر وفقاً لانتماءاتهم الدينية والعرقية وميولهم السياسية ومستواهم الاقتصادي ووضعهم الاجتماعي. وهنا يكمن الخطر، فبينما تساعد تقنية الذكاء الاصطناعي deep text - وهو محرك لفهم النصوص يقوم بتحليل متعمق لكل شيء يقوم المستخدم بنشره أو كتابته- في تفصيل خدمات وإعلانات مناسبة للمستخدمين، إلا أن القضايا الأخلاقية ومشاكل الخصوصية التي تتعلق بإمكان بيع وتداول هذه المعلومات لأطراف أخرى لخدمة مصالح معينة، لم تتم معالجتها بعد. ولعل اعتذار مؤسس موقع فايسبوك، مارك زوكربيرغ، عن «ارتكاب فايسبوك خطأ» أدى إلى استغلال بيانات ملايين المستخدمين لحسم الانتخابات الأميركية لصالح ترامب هو بداية المواجهة الفعلية لمخاطر فايسبوك ليس فقط كأداة لحصد بيانات ملايين البشر وإطلاق شياطينهم الداخلية ومخاوفهم، ولكن أيضاً كأداة لـ «تسليح المعلومات» وخدمة أغراض سياسية مشبوهة.