علي نون

يشتغل «حزب الله» في الانتخابات مثلما يشتغل في السياسة اللبنانية عموماً. ينطلق من ذاتيّته ويجعلها أساس القياس والأداء. وهذه مأخوذة دائماً على أنّها دائمة الانتصارات والإنجازات والفتوحات! أمّا إذا اختلّ الميزان، فالحقّ على الغير بكل تأكيد! وهذا الغير متآمر من حيث المبدأ! تارة يعمل بإيعاز من «السفارات»! وتارة بغواية من الشيطان! وتارة وفق حسابات كيدية لا تطيق عصر الأنوار الإيراني! أو أنّها قاصرة عن «فهم» عمق التحدّيات التي تواجه «الأمّة» والتي لا يمكن مقاربتها والتصدّي لها إذا لم ينجح مرشّحو الحزب «كلهم» في الانتخابات المصيرية!

وهذه الذاتية الطافحة متدرّجة حُكماً: تقارب أي قضية مطروحة من باب المصائر و«حفظ المقاومة»، ولا تميّز بين القريب والبعيد.. ولا بين العدو والصديق، ولا بين التفاصيل المعروضة.. هكذا مثلاً تكون إسرائيل «العدو» المطلق الذي تهون في سبيل صدّه وردّه كل تضحية ممكنة ومستحيلة، لكن الحصرية هنا تعلّق على الرفّ ويصير شعب سوريا بأمّه وأبيه وكلّ سليلته هو «العدو» الكامن خلف شعارات محاربة الطغيان الأسدي، والذي بملايينه الأكيدة يؤخذ بجريرة الجماعات الإرهابية والتكفيرية المنفوخة عدداً وعدّة قصداً ورعاية وتسويقاً وتفنيصاً.. ثم يصير المجموع العربي الإسلامي الأكثري، في مركزه السعودي والخليجي العام هو «العدو» المطلوب مواجهته ورميه بالصواريخ.. وصولاً إلى دَبّ الصوت الاستنفاري للتصدّي لمحاولته كسر شوكة «المقاومة» في الانتخابات النيابية اللبنانية!

وهذه التفريعة تحديداً، وضعت «حزب الله» في «حيص بيص» وأوصلته في ذروَة التدرّج في توصيف «الأعداء». بحيث أنّ أهل البقاع الشمالي، الذين لطالما وُصفوا بأنّهم «خزّان المقاومة»، صاروا في هذه الأيام السعيدة جسماً رخواً قابلاً لاحتضان «متآمرين» و«أعداء»! لأنّ الأخيرين هؤلاء ارتأوا شيئاً غير مألوف عند الحزب الحديدي، وقرّروا ممارسة حقوقهم البديهية والطبيعية بالمشاركة في العملية الانتخابية وفقاً لطقوس عمرها من عمر الاستقلال! ووفقاً لطموحات مألوفة في طبَاع اللبنانيين الأولى حيث الشّغف طاغٍ للسلطة والفرادة والتميّز والتشاوف بغضّ النظر عن العنوان أكان نيابياً أو بلدياً.

في هذه «المعركة» التي يخوضها الحزب ضدّ بعض «أهله» تحضُر كل عدّة النزال التي اعتمدها ويعتمدها ضدّ الآخرين من غير «أهله»! والتعبئة تصل الذروَة، من «المقاومة» إلى «أهل البيت» إلى الاستعداد للمخاطرة الشخصية وزيارة المنطقة قريةً قرية، وبيتاً بيتاً، على ما أكّد بنفسه الأمين العام للحزب السيد حسن نصرالله! مروراً بطبيعة الحال بكل المخزون التعبوي الاستنفاري المعتاد الذي يضع التنافس «الأهلي» على مقعد نيابي في مصافِ مواجهة تآمر «الأعداء الأميركيين والإسرائيليين» وبعض العرب على «الإنجازات الإلهية» المرعية بألطاف «الوليّ الفقيه»!

وهذه مقوّمات حالة مأزومة وضعيفة وليست مرتاحة وقوية. وهي موازية لحالات الأنظمة الشمولية التي تملك كلّ شيء وتتحكّم بكلّ شيء لكنّها تخاف من رواية أدبية، أو فيلم سينمائي أو أيّ منتج خارج النصّ! و«حزب الله» في ذلك متآلف مع طبيعته وتركيبته. وهذه أوصلته إلى كل تلك المبالغات والاستطرادات والاستنفارات والتطرّفات في وجه بيئته ذاتها! وكأنّه لم يكتفِ بعد من هواية تفريخ الأخصام والأعداء والعداوات، لا على المستوى اللبناني العام، ولا على المستوى الإقليمي، ولا على المستوى الدولي.. ولا يزال يحتاج إلى المزيد.. في بعلبك – الهرمل، وكسروان – جبيل!