عبدالله بشارة

 ويبقى سمو الأمير، أميراً لهذه العروش، بعد مبايعة مقنعة ومستحقة من الأمم المتحدة، وفي هذا المجال الإنساني والهمة النشطة والحماسة الخيرية لجمعية الهلال الأحمر الكويتي، التي آمنت بمأمورية جماعية كويتية لخدمة الإنسان المحتاج والإنسان المُعاني والمتألّم والمحروم أينما كان، مرتفعة فوق الحواجز الجغرافية وفوق الحدود السياسية وفوق الاعتراضات النهرية وسدود المحيطات، وأهم من ذلك فوق الاختلافات، كنا في الكويت نجادل حكومة الفلبين حول العمالة، وفي ذلك الوقت الذي نسعى للخروج من مضايقة رئيس الفلبين، نتابع الدكتور هلال مساعد الساير وزميلته المفتونة بالخير والإحسان مها البرجس، ومعهما مجموعة العطاء يبنون قرية كاملة تعويضاً عن القرية التي تعرّضت للفيضان والدمار.


لم يلتفت د.هلال الساير، الطبيب الجراح المميز إلى منغّصات السياسة، ولم يقف عند مقالات غاضبة، ولم تنخفض حماسته لمواصلة المسيرة مع إشكاليات العمالة والخدم، وفي جو مملوء بالابتسامات وتباشير الخير، وبكل الأريحية، يتقدّم ممثل حكومة الفلبين ليتسلّم القرية التي جاءت من سخاء كويتي ومن صناعة كويتية، والأهم من روح كويتية أصيلة، استذكرت تاريخ أجيالها المؤسسين وما عانوه من ضيم وحرمان بسبب قسوة الطبيعة وعبوس الجغرافيا، لكنهم مع ذلك شمّروا عن سواعدهم وبنوا وطناً ازدهر بالكفاءة البحرية، وتآلفها مع الصحراء ليخرج منه مجتمع الكويت.


في يوم الثلاثاء 10 أبريل 2018، عقدت جمعية الهلال الأحمر عموميتها، وفي ذلك اللقاء، كشف الدكتور هلال الساير اتساع حجم المساعدات ليشمل عشرين دولة في شتى بقاع العالم، حيث قدّمت الجمعية ما يزيد على عشرة ملايين دينارٍ مع ضمانات لإيصال المعونات إلى مستحقيها، كما تعمل الجمعية بالتنسيق الكامل مع الاتحاد الدولي للصليب الأحمر والجمعيات الإنسانية والاغاثية في هيئات الأمم المتحدة والمنظمات الأخرى.
ويتطرّق د.هلال إلى المتطوعين المدفوعين بالحس الإنساني، حيث صار العدد 1700 متدرب على الاسعافات وحاصلين على دورات الكوارث.
وتضمنت برامج المساعدات بنداً خاصّاً لدعم الأسر المحتاجة والمتعففة، حيث اتبعت الجمعية الحملات الموسمية مثل مشروع «كسوة الشتاء»، وحملة «بيتكم عامر».
وتم التجديد لقائمة «الهلال» التي تضم كواكب كويتية مضيئة في الحقل الإنساني وجميع الأعضاء من أصحاب السخاء المتواصل، وهم: هلال الساير، وحمد البحر، وعبدالله الحميضي، وخالد الصبيح، وفوزية النصار، ووليد النصف، ومحمد النخيلان، ومها البرجس الأمينة العامة للجمعية، وأنور الحساوي نائباً للرئيس.


يمكن وصف الجمعية بأنها أبرز العروش الإنسانية الكويتية، وطاقمها لا يتردد في الذهاب إلى أصعب الأماكن، وأعقد المهمات وأخطر المواقع المنكشفة من سوريا إلى مناطق أفريقية لا راحة فيها، والتي اخترت الكتابة عنها لإيماني برسالتها وإعجاباً بطاقمها وتقديراً لإدارتها، وأكثر تثميناً لدورها في خدمة الكويت، فالدكتور هلال وجماعته يقدمون «تابلوهات» حية وملموسة عن ماهية الكويت وشخصيتها وملامحها وشكلها الانساني في بقاع لا ضمان للحياة فيها.
وإذا دخلنا في التعريف بالكويت ومحتوياتها الخيرية وهمة أهلها وتقاليدهم في المساهمات، نتوقّف كثيراً عند المنظمات الأهلية الكويتية، ومسؤولياتها في نشر فضائل الوعي الانساني بالتركيز على ما جاء في رسالة الاسلام، فهناك حق للسائل وحق للمحروم وحق للمعذّب في حمايته، ولليتيم ولضحايا الكوارث والأمراض والفقر المدقع، مع ضرورات بناء السلم الاجتماعي والاطمئنان الأمني بين شعوب العالم.
نتحدث كثيراً عن المحتوى الكبير الذي تملكه الكويت وتوظيفه كمؤثر في سلاح الكويت الناعم، من حقوق الإنسان والانفتاح وسخاء الكريم وتبنّي سمو الأمير القضايا الإنسانية، وعلى الأخص إعادة بناء الإعمار، كما نشير إلى المنافذ الثقافية، والتآلف مع الفكر الحر وحرية الاعلام والتقدير للكفاءة والبحث عنها، فكلها ترسانة الكويت سابقاً وحاضراً، فالكويت رسمها قدرها على العيش عبر الدبلوماسية الناعمة، وحسن التعاضد، ولم تكن لنا شهية بالخيار الخشن، فعشنا على حسن النوايا وصفاء التآخي وعمق التآخي مع الجوار الجغرافي.
وهنا نشير إلى حق جمعية الهلال الأحمر في احتضان الدولة لها واعتبارها ذراعاً سياسيةً وإستراتيجية ليس في دائرة الاعلام، وإنما في الترابط الذي شيدته الجمعية مع شعوب العالم، واختيارها كجمعية تربوية إنسانية تحكي بالممارسة رسالة شعب الكويت، ليس كما يقرأها الناس فقط، وإنما كما يلمسها المستفيدون من «الهلال الأحمر».


أعرف الأعضاء جيداً، فأهل شيمة وأهل خير، ومن حق مها البرجس، الأمينة العامة، أن أتوقف مشيداً بعطائها وفدائية توغّلاتها في أماكن معقّدة منها، رغم اطمئنانها الحياتي، لكن دافعها إدخال ابتسامات على الآخرين.
كنت في كولومبيا في مؤتمر، وكان معنا مرافق من أهل البلد، كان ذلك في عام 1993، بعد الغزو، سألني المرافق عن فريق كرة القدم الكويتي الذي رآه عندما صعدت الكويت إلى دورة كأس العالم، ويتأسّف بأن الفريق الذهبي تبدّلت أحواله، أخبرني إعجابه بالفريق ومن تلك المبادرة وصلته دولة الكويت بلاعبيها.


«الهلال الأحمر» يوصل الكويت إلى الملاعب الأوسع، إلى السياسة والدبلوماسية والثقافة والملاعب الإنسانية، والأهم إلى تعميق قواعد التعايش والتعارف بين الشعوب، ويرفع من صلابة أعمدة السلم والأمن العالميين..
تحية استثنائية لكتيبة الدكتور هلال الساير.