خالد القشطيني
لم نتعلم من الغربيين الكثير من العادات والأسس الاجتماعية، ولا سيما فيما يتعلق بحقوق المرأة ومساواتها. وبقينا نتعثر في موضوع حرية الفكر. ولكننا تأثرنا بهم كثيرا في ميادين الطعام والشراب والطبخ. حلت الكوكاكولا والسينالكو محل الزنجبيل والشربت واللبن الشنينة. سألتني الكاتبة الإنجليزية المختصة في المطبخ العربي، جل بنهام، فقالت كنتم في العهد العباسي تستعملون الخردل في تطييب الطعام ومنكم تعلمنا علبه وسميناه بالماسترد. لماذا تركتم استعماله؟ قلت لها لأننا أخذنا منكم «الأجبي صوص» الآن وتركنا لكم الماسترد.
تعتبر الطماطم الآن من أهم عناصر المطبخ عندنا. نأكلها كمرق وكباب ونمزجها بكل أنواع المخضرات المرق كالباميا والباذنجان ونشويها على النار مع الكباب. ولا تكتمل السلطة من دونها. ولكن الطماطم في الحقيقة مادة مستوردة وكان جدي رحمه الله، يسميها «باذنجان إفرنج». وهي التسمية التي أطلقها عليها العراقيون عند دخولها.
ربما نجد أن الشاي أكثر شيوعاً بيننا حتى من الطماطم. وتقلص استعمال القهوة العربية المرة والتركية الشكرلي وانحصر تقريبا في المناسبات، كالمآتم. ولكنني لم أعد أستطيع أن أتصور عراقيا أو إيرانيا يقضي نهاره من دون عدة استكانات من الشاي أو يتناول الفطور من دونها. الفقير يفطر بالشاي والخبز والمتمكن يفطر بالشاي والخبز والقشطة والجبن. ولكن الشاي مع ذلك مادة غير وطنية في الواقع. دأبنا على استيرادها من سريلانكا والهند. لدى مراجعتي لديوان الكرخي عثرت على هذه القصيدة الشعبية التي يشير فيها الشاعر إلى تحول الجمهور من أكل التمر إلى شرب الشاي. فالظاهر أن الناس كانوا يفطرون بالتمر والخبز واللبن كمادة شرب، ولم يعرفوا الشاي حتى وقع العراق في ظل الاحتلال الإنجليزي بعد الحرب العظمى، وجاءوا به من الهند وأشاعوا استعماله في البلاد. ولكننا لم نتعلم منهم عادة شرب الشاي مع الحليب وفضلنا الشاي الأسود مع كثير من السكر القند.
وبالروح الوطنية والشعبية التي كان عبود الكرخي يتميز بها انتقد قومه على هذه النقلة فقال:
مت لا يا مقصوف العمر
ليش تركت أكل التمر؟
والتمر نفعه للبشــــر
زائد ولا قابل يضر
أسباب تركه يا بعر
واعتضت بالشاي وشكر
بتركك أخي أكل البلح
أنت خسرت غيرك ربح
قربك حزن بعدك فرح
موت اللي يطمك بالقير
مت لا يا مقصوف الأجل
ليش تركت زرع النخل
هذي دسيسة واضحة
من الغرب صارت فاضحة
يلزم نصدر لائحة
من أجل تشجيع التمر!
ومن الطريف أن نسجل للكرخي كيف كان سباقاً في جلد الذات وشتم النفس بعنف وإقذاع الذي تعود العراقيون عليه عبر العصور: «قربك حزن بعدك فرح! مت لا يا مقصوف العمر».
التعليقات