محمد الرميحي

 العنوان السابق هو قراءتي لما يمكن أن يكون زبدة الكِتاب المعنون بالإنجليزية «العالم كما هو»، الذي نُشِر أخيراً، وكتبه صديق، ومعاون الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، الذي عمل معه عشر سنوات تقريبا. إنه الكاتب بن رودس. وقد انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي العربية معلومات مختصرة عن الكتاب، ربما قرأ فيها البعض ما يحب أن يقرأه.

الكاتب تدرب في حياته الأكاديمية على كتابة الرواية، وهذا تخصصه، وربما لهذا السبب، اختير أولاً من كتّاب خطب أوباما، ثم أصبح من الحلقة الضيقة لمستشاري الرئيس الشباب، لذلك جاء الكتاب مطولاً من 450 صفحة، ومليئاً بالتفاصيل الصغيرة، التي قد لا تهم القارئ.
نحن العرب من الطبيعي أن نهتم بالكتاب، لأن مؤلفه يحكي فيه تفاصيل الموقف الأميركي إبان موجة التغيير العربي، التي وُصِفت بـ«الربيع العربي»، في كل من مصر وليبيا سوريا، والخطوط الحمراء، والموقف من إيران، وغيرها من القضايا التي ما زالت مشتعلة في فضائنا العربي، كما يسترسل الكاتب في توصيف تفاصيل اتخاذ القرار إبان حقبة الرئيس باراك أوباما في البيت الأبيض، وهي حقبة دقيقة، خاصة ما اتُّخذ فيها من قرارات تجاه بلدان الشرق الأوسط وشعوبه، حيث التهبت التغيرات الجذرية، سواء سلبية أم إيجابية، في تلك الفترة، منذ بداية العشرية الثانية للقرن الحالي.
ومن الطبيعي أن الكتاب بتفاصيله، قد يُرضي البعض، وقد يُغضب البعض الآخر، لكن قراءته مهمة لمتخذ القرار، وللمشتغل بالسياسة الخارجية في وطننا العربي، وربما العالم.
ما سوف أرصده هنا هو ما خرجتُ به من القراءة، خصوصاً الفصول التي تحدثت عن ردود فعل إدارة أوباما على الأحداث في الشرق الأوسط، وكيف كانت تلك الإدارة تتعامل مع الأزمات، وتقترح الحلول.
من الواضح أن بن رودس، مؤلف الكتاب، يعتبر أوباما بطلاً، لذلك التحق بحملته الانتخابية مبكراً، فأولاً كان مساعداً بعيداً عن الدائرة الضيقة، ثم ترقى إلى أن أصبح داخل دائرة القرار للإدارة الأوبامية.
يتحدث المؤلف عن خيبة أمل كبيرة بعد انتخاب الرئيس الجديد، دونالد ترمب، ظهرت جلية في المناقشات التي جرت في جولة أوباما العالمية الأخيرة، بدءاً من وسط نوفمبر (تشرين الثاني) 2018.
ويتساءل أوباما: هل كنا على خطأ؟! ذلك السؤال الذي يجيب أوباما نفسه عنه، كما ينقل الكاتب، فيقول: ربما لم ننتبه إلى النزعة الوطنية «القومية»! لدى الشعب الأميركي، أو ربما جئنا قبل موعدنا على الأقل بعشرين عاماً!
في اللقاء الأخير لأوباما مع قادة العالم في تلك الجولة، ينقل الكاتب أنه عند وداع أنجيلا ميركل المستشارة الألمانية لأوباما «كانت دمعة حائرة في عينيها»، وقد عرف الجميع أن سياسة القادم الجديد إلى البيت الأبيض مناقضة تماماً لما تم ترسيخه في العلاقات الدولية في العصر الأوبامي وما قبله، إلى درجة أن أوباما في لقاء جستن ترودو رئيس الوزراء الكندي، أوصى الأول الأخير قائلاً: لا تتركوا ميركل وحدها، عليكم بإكمال ما بدأنا به، أي استمرار النظام العالمي التشاركي.
هذا النوع من التوصيف في الكتاب، يعني للقارئ أن الجميع في معسكر أوباما وجدوا أنفسهم في مكان «الأيتام»، لا يتوقعون استمرار ما بنوه، بل يتوقعون عكسه تماماً. تشعر بحسرة كبيرة في الكتاب على العولمة، وعلى الاعتقاد المفرط في التفاؤل بأن العالم يسير إلى أن يكون شيئاً واحداً متسانداً تسوده القيم العليا، لا عدداً من القوميات متنافرة المصالح.
في الموضوع الإيراني، كانت سياسة أوباما كما يصفها الكتاب، هي سياسة «استرضاء» منذ البداية، ظهر ذلك مبكراً في الحملة الانتخابية الأولى لأوباما، فعندما سُئِل من الصحافة: هل يمكن أن تتحدث دون شروط مسبقة مع أعداء أميركا، مثل كوبا وإيران؟ قال: نعم، ممكن!
يقول الكتاب إن ذلك التصريح سبّب للحملة قلقاً من أن يبدو المرشح ضعيفاً أمام «أعداء أميركا»، إلى درجة أن هيلاري كلينتون، المنافسة في الحملة الأولى، سخرت من تصريح أوباما، بأنه «قليل الخبرة بالشؤون الدولية»، لكن الحملة أرادت أن تظهر مرشحها بأنه ليس ضعيفاً، كما ادعى منافسوه، بل «حكيماً»، فتم تصميم تصور سياسي يفرق بين «الإرهاب» الذي يجب أن يُحارب بكل قوة، والدول التي يمكن استرجاعها إلى جادة الصواب في المنظومة العالمية.
نعرف الآن أن تلك الفكرة الأوبامية تجاه «أعداء أميركا»، كما كان القول، قد تطورت إلى علاقات شبه طبيعية مع كوبا، بل زيارة رسمية لأوباما، واتفاق نووي دولي مع إيران، في يوليو (تموز) 2015، ولكن بقيادة، وربما بضغط أميركي!
أحداث مصر لافتة للنظر، كما يرويها الكتاب، فقد تطور الأمر في ميدان التحرير، الذي كانت تنقل أحداثه التلفزيونات العالمية، وقد ظهرت مرصعة على جدران البيت الأبيض يتابعها الجميع، وقد أصبح النقاش حادّاً بين «كبار السن» في البيت الأبيض، كما يصفهم الكاتب، و«شباب البيت الأبيض». فيرى الفريق الأول دعم الشرعية القائمة، ويرى الفريق الثاني الانتصار لمظاهرات ميدان التحرير. هيلاري كلينتون، وزيرة الخارجية، كانت مع المجموعة الأولى، إلا أن أوباما في نهاية المطاف اتصل بالرئيس مبارك ونصحه بالتنازل عن الحكم!
ينقل الكاتب تفاصيل النقاش على التليفون بين الرجلين، فقد كان ساخناً، حتى إن مبارك استغنى عن المترجم للاستعجال. وقال أوباما تعليقاً على ذلك فيما بعد، كما يروي الكاتب، لقد كان سهلا عليَّ طلب ذلك (التنازل)؛ لأنني لم أعرف مبارك عن قرب، ولو كنت أعرفه، ربما كان صعباً أن أفعل ذلك! يكمل الكاتب: «وصل مبارك إلى الحكم، وبن رودس في عمر أربع سنوات»! كناية عن عدم ارتياحه من بقاء الحكام فترة طويلة!
في الموضوع الليبي، أخذت المناقشات في البيت الأبيض وقتاً أطول، فقد كان «كبار السن» لديهم تحفظات على التدخل النشط في ليبيا. يقول الكاتب: «الإدارة الأميركية عندما تقرر ألا تفعل شيئاً، لا تضع أي مسودات لاقتراح السياسات أمام الرئيس، أما إذا قررت، فإن عدداً من مسودات الخيارات تُرسم، من أكثر من إدارة ولجنة متخصصة، ثم يختار الرئيس ما يوافق عليه من سيناريوهات لتلك المسودات».
ويذهب الكاتب إلى القول في الموضوع الليبي إن الذي دفع الإدارة إلى أخذ موقف صارم هو ما قررته فرنسا (ساركوزي)، بأن تقدم مشروع قرار في مجلس الأمن، من أجل حرمان الطيران الحربي الليبي من الأجواء. وقتها قررت الإدارة أن «منع الطيران» لن يكفي، فقدمت مشروع قرار عام يقول: «اتخاذ ما يلزم لمنع قتل المدنيين في ليبيا». وقد وافق مجلس الأمن على ذلك القرار العام، وتم الاتفاق مع بريطانيا وفرنسا للتدخل، مع غطاء جوي أميركي! كما نقل الكاتب أن أوباما قال له إن قرار منع الطيران سيكون لأيام وليس لأسابيع.
ومن اللافت أن معمر القذافي أرسل رسالة غاضبة للبيت الأبيض، يقول فيها إنه يحارب «القاعدة»، و«ما دمتم ترغبون في نصرة الإرهابيين، فعليك إذن (يا أوباما) أن تفاوض أسامة بن لادن»!
بشكل عام، يصف الكتاب آليات اتخاذ القرار في الإدارة الأوبامية. ومن يقرأ التفاصيل، خصوصاً ما يتعلق بأحداث العالم العربي، فإنه يصل إلى تصور أن الولايات المتحدة كانت تتعامل في أغلب أحداث الربيع العربي، مع ردود الفعل. أما الأفعال التي أنشأت ردود الفعل تلك، فهي تُتخذ في عواصم الشرق!

آخر الكلام
بعد الحرب العالمية الثانية، استتب الأمر في العلاقات الدولية على أن الأشخاص يتغيرون، أما قواعد اللعبة فلا تتغير. واليوم نشهد تغيراً في الأشخاص، وأيضاً تغيراً في قواعد اللعبة، منذ وُضع أساسُها بعد الحرب العالمية الثانية، لذلك، فمن المهم أن تقوم مراكز الأبحاث في عالمنا بتشريح هذا الكتاب، قراءة ونقداً، فربما نفهم بعض قواعد اللعبة الجديدة!