& مشاري الذايدي&

الداعشي «الصليبي» أو المتمسح بالمرجعية المسيحية، الإرهابي الأسترالي برينتون تارانت، مقترف جريمة المسجدين بنيوزلندا، جرس إنذار كبير، للأسف لن يكون الأخير.
الشاب الأبيض الموبوء بأفكاره الشيطانية، وخرافاته الوهمية، وأحقاده التاريخية، ليس الوحيد من نوعه، فهو يعبر عن تيار، صحيح أنه قليل العدد، لكنه موجود وخطير داخل بعض المجتمعات الغربية، يلوك الكثير من شحم التاريخ القاتل.
برهان ذلك، أنه، وبعد تخطيط وتحضير استغرق سنتين لجريمته الشيطانية في مسجدين بمدينة كرايستشيرش النيوزلندية، لم يغفل القاتل برينتون، توجيه رسائل لنظرائه من البيض و«الانتقام» لهم من هجمات المسلمين، من الماضي السحيق في القرون الوسطى حتى اليوم القريب؛ وهي محطات مثل:
«معركة تور» سنة 732 بين المسلمين والفرنجة. معركة حصار فيينا 1683، والحروب الصليبية، مصرع الفتاة السويدية إبا أكرلوند على يد الإرهابي عقيلوف 2017.


استحضار التاريخ، بطريقة تعبوية تحريضية، هو دأب الخطاب الإرهابي المغلق، من استحضارات خليفة «داعش» البغدادي، الذي تكثر في أدبيات جماعته محطات مثل: معركة دابق والحروب الصليبية حتى الحروب القريبة، وكذلك تذكيرات المتطرفين الملحّة لدينا على لحظات الصدام والتوتر القديم بين المسلمين والمسيحيين أو داخل المسلمين، سنة وشيعة، كما يفعل إرهابيو الحرس الثوري والحشد الشعبي وحزب الله والحوثي أيضاً.
العالم اليوم ليس كما يريده الإرهابي الأسترالي، ولا كما يريده قتلة «داعش» والجماعات الخمينية، مفصّل على معايير محددة «نقية» وهمية عرقية أو دينية أو طائفية. العالم الأساس فيه، خاصة اليوم، الامتزاج والاختلاط.
لعل دليل ذلك ما جرى في جريمة نيوزلندا نفسها، فقد احتشد أعضاء من نادي كروسيدز كانتربيري «صليبيو كانتربيري» النيوزيلندي الكروي، حداداً على حارس مرمى كرة الصالات عطا عليان، الذي قتل ضمن ضحايا على مسجدي كرايستشيرش.
العالم ليس كما يتوهمه هؤلاء الجهلة القتلة، بل هو كان وسيظل عالم التحاور والانتقال الدائم من الشرق للغرب، ومن الجنوب للشمال والعكس صحيح.


ليس كل أهل الغرب مثل هذا المتمسح بالصليب، الأسترالي الإرهابي برينتون، وليس كل أهل الشرق مثل المتمسح بالهلال البغدادي وسليماني.
كما أن التاريخ، ليس سطحياً أحادياً كما يفهمه هذا الشاب الأسترالي التافه، برينتون، أو كما يفهمه مجند من ميليشيا «الهزارا» الأفغانية الشيعية يقاتل في سوريا من أجل معارك كربلاء والطفّ قبل أكثر من ألف وأربعمائة عام، أو كما يفهمه قروي أو عاطل وضيع ملتحق بـ«داعش» وفق رؤية المعتل العراقي البغدادي عن التاريخ.
العالم أكبر وأعمق وأشمل من برينتون تارانت... وأمثاله من كل شعوب الأرض.