&عبد الكبير الميناوي

رغبة في إتاحة فرصة الخوض في «فصول غير معروفة من تاريخ مشترك يتسم ببصمة قوية لقيم السلام والتعايش»، و«إبراز التساكن المتميز والعلاقات الطيبة التي جمعت المغاربة والمسيحيين، ودأب علـى ترسـيخها سـلاطين الدولة المغربية منـذ قـرون»، افتتح بالرباط، تحت رعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس، معرض «الحضور المسيحي بالمغرب: العيش المشترك».


ويتزامن هذا المعرض، الذي تنظمه «مؤسسة أرشيف المغرب» بشراكة مع «مجلس الجالية المغربية بالخارج» إلى 30 مايو (أيار) المقبل بـرواق «مؤسسة أرشيف المغرب»، مع زيارة البابا فرانسيس إلى المغرب، بعد الزيارة التاريخية التي قام بها البابا يوحنا بولس الثاني سنة 1985.
ويقترح المعرض، حسب منظميه «سفرا عبر الزمن»، منذ عهد الموحدين، في القرنين الـ12 والـ13 الميلاديين، بشكل يوفر فرصة «استكشاف جانب من تاريخ المملكة من خلال مجموعة غير منشورة من الوثائق والظهائر والصور».
ولفت عبد الله بوصوف، الأمين العام لمجلس الجالية المغربية بالخارج، في افتتاح المعرض مؤخرا، إلى أن الحدث يتزامن مع سياق دولي سمته التوتر والهجمات الإرهابية التي تضرب جميع الديانات، آخرها هجوم نيوزيلندا الإرهابي؛ كما يأتي أسبوعا قبل زيارة البابا فرانسيس إلى المغرب الحاملة لشعار الأمل، وهو الأمل نفسه في غد أفضل الذي جسدته مظاهر تضامن مئات الآلاف من المسيحيين في نيوزيلندا مع المسلمين ضحايا الهجوم الإرهابي، يضيف بوصوف الذي شدد على أن اختيار المغرب للتعدد الثقافي والديني والعيش المشترك بين جميع مكونات مجتمعه، لم تفرضه الظروف أو سياق سياسي معين، لكنه خيار متجذر في المجتمع المغربي منذ القدم ويأخذ من النموذج الإسلامي المغربي الذي يقوم على الوسطية والاحترام المتبادل، وتؤطره إمارة المؤمنين التي تحفظ الحرية الدينية لجميع الديانات.


ويقترح المعرض أربعة محاور، بعناوين «أمان وتوقير واحترام» و«حقوق وحريات» و«الحياة الاجتماعية» و«المغرب والفاتيكان: روابط متينة متجددة»، تعكس الحضور المسيحي في المغرب، وما ميزه من مظاهر الاحترام والعيش المشترك وحرية المشاركة في جميع مظاهر الحياة داخل المجتمع المغربي واحترام حرية الممارسة الدينية. وقال جامع بيضا، مدير مؤسسة أرشيف المغرب، إن الوثائق التاريخية المعروضة تهدف إلى نشر الرسائل الإنسانية وإبراز العيش المشترك المتجذر في المغرب منذ قرون.
ويعتبر المغرب، حسب منظمي المعرض: «نموذجا حضاريا متفردا للعيش المشترك بين المسلمين وأتباع الديانات الأخرى، وخاصة اليهود والمسيحيين»؛ كما وجد فيه المسيحيون «مكانا للقاء والتعايش، تحت رعاية السلاطين المغاربة الذين منحوهم وضعا يضمن لهم ممارسة حقوقهم المرتبطة بحياتهم الروحية والاجتماعية والاقتصادية».
وأشارت ورقة تقديمية للمعرض إلى «العناية الكبيرة» التي حظــي بها النصارى بأرض المغرب، وتشهد عليها مظاهر التوقير والأمان والاحترام التي نعموا بها من لدن سـلاطينه، كما «تمتعوا بكثير من الحقوق والحريات في التنقل والسفر والتجارة، إلى جانب ما حظوا به من حرية في تدبير أمورهم الخاصة في الإرث والزواج والقضاء وبناء دور العبادة وممارسة شعائرهم الدينية»، بحيث «تتجلى تلك الرعاية في تفاعل المسيحيين ورغبتهم القوية في تقاسم العيش اليومي مع المغاربة المسـلمين، من خلال مساهمتهم في مختلف مناحي الحياة الاجتماعية، كما تبديها الخدمات التي قدموها لهم من تطبيب وتعليم، وكذلك مختلف ورشات تكوين الشبيبة المغربية في مختلف الحرف والصنائع بمختلـف ربوع البـلاد».