& عمادالدين حسين&&

&&

ختمنا مقالنا الأول عن «رَوَاء مكَّة» بتساؤل الكاتب: أهي رحلة أم استكشاف؟، أهي صفقة صلحٍ مع الذات، أم استحضار لما طاف؟ «ما جدوى أن أنفر إلى مكَّة حاجًّا.. إن لم أتحول؟، وهل الحجُّ إلا هجرةً؟»، وحتى لا نترك نوافذ الفكرِ حائرةً مشرّعة، وبابَ التساؤلاتِ موارباً دون أن نروي قريحة الشغفَ للمعرفة بإجاباتٍ شافية، نضع بينَ أيديكم ملامحَ من رحلة اكتشافِ «أوريد» لذاته الجديدة انطلاقاً من مكناس المغربية معرّجاً على طيبة الطيبة، وصولاً إلى غاية القاصدين أم القرى.

نازعت أوريد ذاته طويلاً على رحلة الحجّ، في فترة «قطيعة وتيهٍ وجوديّ» بحسبِ تعبيره، حيث كان ممتنعاً عنها، متنكّراً لها، وقد كانت بالنسبة له شعيرة محفوفة بالمخاطر، غير مقتنعٍ برمزيتها ومناسكها ومقاصدها، مخاطباً ذاته: «هل قدرت يوماً أني سأشد الرحال إلى الديار المقدسة وقد نفرت عما كنت أراه رسيس تربية ومختلفات ثقافة؟، هل هي مصالحة مع الإسلام، أم قطيعة نهائية تأخذ شكل سفر للوقوف على وجه من وجوهه؟» اتخذ قراره في حالة ضعفٍ، ونذرَ للهِ أن يسبرِ أغوارِ تلك الرحلة بعدَ صراعٍ مريرٍ مع مرضٍ غيرَ آبهٍ باقتفاء أثر الآخرين، رافضاً الأخذَ بحكاياتهم، معلناً البيعة المطلقة لعقلانيته، مشترطاً عيشها وخوضِ غمارها بنفسه، فهل عساه كسِب الرهانَ؟! عندما عانقت عيناهُ مكّة، أحسّ بخفّة في جسمه كادت أن تتلاشى معها كلّ هواجسه ويلقي على عتبتها أسلحته، إلا أنّ الأمرَ لا يخلو من بعض الهمزات واللَّمزات، ومغالبة النفس الأمارة وقد كان ربيبَ التيه الروحانيّ لأمدٍ طويل، حتى وصل به المطاف ناقماً على كلّ من تناول الحج من وجهة نظرٍ أنثروبولوجية نقدية أو سياسية أو اقتصادية، معانقاً جانبَ الرحلة الروحانيّ التي أخذت بيده إلى مقاصد الإسلام الذي كان له مجرّد «ذكرى» يحفّها «الحنين» ودينٌ ورثه عن الآباء والأجداد.

سرعانَ ما أسفرت رحلته عن سيرة تحوّلٍ من صبيّ يرمق بسخرية رجلاً رافعاً كفيه نحوَ السماء يلهجُ بالدعاء، متسائلا: ما هذه الترهات؟، إلى ناسكٍ يرتضي الإسلامَ فلسفة حياةٍ عن اقتناع، بعدما ولَجَ جوف النبع وموطن الرسالة. فما تداعياتُ الرحلة عليه؟ وهل يبقى لها من الشوق والتوق؟!.. هذا ما سنجيب عنه في مقالنا المقبل.