&فارس بن حزام&

لا شكل ولا لون لليبيا، ولا مظهر دولة، ليس الآن، بل منذ خمسين عاماً، عندما قفز صغار العسكر إلى الحكم بقيادة معمر القذافي، وأطاحوا بالنظام الملكي.


تحل اليوم ذكرى انقلاب القذافي، والحال من سيء إلى أسوأ، وكل طرف عاجز عن فرض سيطرته التامة، وحرب استعادة طرابلس تراوح مكانها منذ خمسة أشهر مع فشل الجيش الليبي في بلوغ أطراف العاصمة.

كانت ليبيا ملكية، ويفترض أنها تحولت إلى جماهيرية، وكان "الفاتح" من أيلول (سبتمبر) يوماً وطنياً تحتفل فيه البلاد، وتالياً إلى نظام جمهوري غير واضح المعالم. مضت ثمانية أعوام والبلاد بلا يوم وطني، فلا "الفاتح" يوماً يستعاد ذكره السيء، ولا تاريخ الاستقلال من بريطانيا حاضر في الذهنية يحتفل فيه، ولا يوم الثورة ضد القذافي متفق على موعده بين 15 أو 17 شباط (فبراير)، بينما التزموا قبل ستة أعوام بيوم وطني جديد، حددوه في 14 آذار (مارس)، وأسموه "يوم الزي الليبي"، وذلك التشتت هو صورة خارجية عن حال ليبيا الداخلي.

لم تهدأ ليبيا يوماً طوال قرن كامل. خاضت صراعات ضد الاستعمار الإيطالي فالبريطاني، وقلاقل في عهد ملك ضعيف، وانقلاب قاده مجنون، وتمضي ثمانية أعوام في حرب أهلية بلا أفق. عام 1922 انتصرت الفاشية في إيطاليا، فألغت اتفاقاً سابقاً مع الإمارة في ليبيا، واحتلت البلاد كلها، وعندها تلاقت المصالح بين الحاكم إدريس السنوسي ولندن، وتلقى دعماً لمواجهة المحتل الإيطالي، وكان أن اندلعت الحرب العالمية الثانية، واندحرت الفاشية، وسيطرت بريطانيا، وحولت ليبيا إلى مستعمرة ضمن خرائطها الواسعة، وتالياً وقع اتفاق الاستقلال نهاية 1951، وأقيم النظام الملكي.

صادف استقلال ليبيا تبدل أحوال جغرافية كثيرة في المنطقة، وانتشار موضة الانقلابات العسكرية. ظن الملك إدريس السنوسي أن جيرانه الكبار سيقفون إلى جوار مملكته الجائعة، فقد ورث بلداً بلا اقتصاد، والتدهور بلغ مبلغه، فزار مصر عام 1953، والتقى بالقيادة الثورية الجديدة ممثلة بالرئيسين محمد نجيب وجمال عبد الناصر، طالباً مليون جنيه مصري مساعدة لتسيير أمور مملكته الوليدة، وصعق برفض طلبه، وشعر حينها أن العسكر لا يضمرون لحكمه خيراً، وأن نظامه الملكي في خطر، واكتفى بالشعور ولم يتدارك المؤامرة، وبان ضعفه مبكراً، ومن ضعفه وتردده أنه شكل 11 حكومة في 18 عاماً، ومن الجائز وصفه بـ"ملك الاستقالات"، إذ بادر إلى الاستقالة أكثر من مرة؛ هرباً من أزمات احتاجت إلى ملك شجاع. ومضى ملكاً ضعيفاً إلى أن سقط حكمه عام 1969، على رغم بزوغ فجر النفط عام 1961، وبدء ملامح صناعة مستقبل الدولة. تالياً، حل في مصر ضيفاً على رئيس دعم إسقاطه إلى وفاته.

وما يهمل من تاريخ ليبيا أن ملكها سعى إلى تحويل النظام من ملكي إلى جمهوري مرتين، في عام 1955 وفي 1966، ربما ليس حباً بهذا اللون من الحكم، بل لتعذر توريثه مع عدم قدرته على الإنجاب، ووفاة ولي العهد شقيقه، وتراجع عن الفكرة بضغط كبير من إقليم برقة، شرق ليبيا، فالإقليم خشي أن يذوب في أكثرية الغرب الممثلة بطرابلس، وهذا المزاج القلق مستمر إلى يومنا هذا بصراع الشطرين الشرقي والغربي من ليبيا.
&

&