&فضيلة الفاروق

&

&يبدأ الموسم الأدبي (أو الدخول الأدبي) الفرنسي في خريف كل سنة، فتقوم الدنيا ولا تقعد في كل أنحاء فرنسا، بل إن هذه العدوى أصابت البلدان المجاورة وامتدت إلى أميركا ليصبح حدث الدخول الأدبي حدثا عظيما، فتوزع الإصدارات الجديدة على المنابر الإعلامية المختلفة، ويُبرمج الكُتّاب للقاء قرائهم في المدارس والجامعات والنوادي الثقافية، كما تطلق ورشات للكتابة الإبداعية، ويُعلن عن إقامات ومنح لكتاب شباب لإنهاء أعمالهم، كما تُعلن أهم الجوائز ليكتمل هذا الاحتفال الذي ينطلق هذه الأيام ويستمر إلى آخر السنة، ولكنه يكون في قمته في أشهر الخريف كون الفترة تمثل العودة من عطلة الصيف لكامل قطاعات الحياة المختلفة، ولأنّ الثقافة هي أهم دعامة لأي مجتمع ناجح، فإن هذا السباق للوصول إلى القارئ يطلقون عليه اسم "مغامرة البحث عن الكنز" باعتبار كل الأدمغة الخام الأرض الخصبة التي يمكن استثمارها، مع قاعدة: كل قارئ بعيد يمكن الوصول إليه، وكل قارئ قريب يجب الحفاظ عليه.

لن أدخل في لعبة المقارنة بين مجتمعاتنا ومجتمعات عريقة في التعاطي مع الكتاب، كون هذا الموضوع يحبطني، لكني سأركز على نصف الكأس المملوءة لتبقى معنوياتي مرتفعة بشأن وضع الكتاب عندنا، ولا بأس أن أذكر أن هذا الشرق العجوز اليوم كان سيداً في إطلاق الكتاب لإدراكه بمدى أهميته، فالألواح الطينية خرجت من بلاد ما بين النهرين، ويمكن إلقاء نظرة ولو خفيفة على الحضارة الآشورية لنعرف أن المنطقة كانت محجة علمية بامتياز..

المصريون الذين اخترعوا ورق البردى دونوا علومهم قبل عشرات القرون قبل الميلاد، وهذا أيضا موضوع مهم لمن يريد أن يعرف تاريخ المكتبات في مصر الفرعونية..

شعوب أقدم مما تبوح به الحفريات كتبت على الصخور وتركت آثارا تخبرنا بأهمية التدوين والتأريخ وترك رسائل للأجيال التي تأتي بعدها، وسبحان الذي خلق الإنسان على هذه الصفات، ثم وجهه برسائل سماوية ختمها برسالة عظيمة تحثنا على القراءة، بفعل أمر لا جدال فيه "اقرأ" إذ أن الجواب الذي يقول "ما أنا بقارئ" لم يعد يناسب العصر الجديد الذي دخلناه بعقولنا، وهذا من أروع الحِكَم التي غرسها القرآن الكريم في وجداننا إلى الأبد.

نعم لعلّها ليست مواسمنا الخصبة ثقافياً، ولعلّ صعوبة السفر عبر الزمن تمنعنا من معرفة الماضي الجميل لهذا الشرق، إلاّ أنّ القراءة تفعل ذلك، فقط على الناشرين أن يبذلوا جهداً صغيراً للبحث عن ذلك الكنز المطمور في مكان ما، وبذل مجهودات صغيرة لتوسيع دوائر قرّائهم، فالسماء لا تمطر ذهباً كما قال عمر الفاروق رضي الله عنه.