عبدالرحيم الزرعوني

كثيراً ما يستوقفني التفكير في أسباب اختلاف طبائع البشر وطريقة تفكيرهم وردود أفعالهم حيال المواقف، واللافت هو تشابه تلك الطبائع في البلد الواحد وأيضاً المؤسسة الواحدة.. فيا ترى كيف تتشكل تلك الطبائع؟، وما هو سبب ذلك التناغم؟.. هل هي اللغة، الدين، الجغرافيا، العرق والجينات، أم ماذا؟.

قد يكون لكل تلك العوامل وغيرها مساهمة ما في تشكيل العقليات والمزاج العام، لكن سؤالي تحديداً هو عن الناقل الذي يحمل كل تلك المؤثرات ليصبها في عقل الإنسان وعاطفته.

لعل الناقلات متعددة، لكن الذي يعنيني هنا هي المقولات التي نكثر من تداولها والاستشهاد بها، والتي نعتبرها حقائق مسلَّمة، بل ونتخذها تفسيراً لكل الأحداث ومنطلقاً لردود أفعالنا وعموم سلوكياتنا، ولخطورة وتأثير ما نتفوه به حذر النبي صلى الله عليه وسلم من حصائد الألسنة وما ينتج عنها.


فالمقولات المتشائمة والمشككة أو الداعية للتصرف بأنانية أو العنيفة والمبتذلة سوف تصبغ المجتمع الذي يتداولها بمقتضاها، وسيزداد المزاج السلبي رسوخا مع توارثت الأجيال لتلك المقولات واقتناعهم بصدقيتها، وازدياد المتأثرين ـ بدور ه ـ سوف يزيد من ترسيخ تلك الانطباعات حتى تصبح ثقافة للمجتمع أو المؤسسة ويغدو تغييرها ضرباً من المستحيل أو يقترب منه.

وحتى لا نقع في شرك الكلمات وأسر معانيها السلبية؛ علينا معرفة أن للمقولات تاريخ صلاحية قد تنتهي ويتجاوزها الزمن، ولها مجال محدد للاستشهاد ولا يمكن أن تعمم على كل المواقف، ثم إنها مجرد مقولات، لا ينبغي أن تحمل صفة القدسية في نصوصها أو معانيها، وأخيراً، فإننا مدعوون ـ شرعاً وعقلاً ـ لحمل الأقوال على أحسن المحامل وانتقاء الكلمات كانتقاء أطايب الثمر.