عبدالله جمعة الحاج


لعبت النخب الاجتماعية في الإمارات السبع دوراً في قيام الدولة الاتحادية، وأيضاً في الفترة التي سبقت قيامها، خاصة منذ أغسطس 1966 إلى أن قامت دولة الإمارات العربية المتحدة في الثاني من ديسمبر 1971.
لقد كان للنخب الاجتماعية آنذاك دورها الطليعي المؤثر في حث أعضاء النخب السياسية على التواصل مع بعضهم بعضاً من أجل صيغة ما من التعاون والتنسيق من أجل رفعة شأن المنطقة والاستفادة المشتركة من خيراتها، خاصة بعد أن تولى مقاليد الحكم في أبوظبي المغفور له، الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، وأسكنه فسيح جناته.

لقد شرعت النخب الاجتماعية في ذلك انطلاقاً من معرفتها الأكيدة بماضي سكان هذه الأرض الخيرة وتراثهم وموروثهم وبأنهم يشكلون شعباً واحداً ويقطنون وطناً واحداً شاءت له الأقدار ومجريات السياسة أن يتشكل في إمارات سبع هي ليست بعيدة عن بعضها وغير

غريبة على بعضها، ومن إيمانهم كمواطنين مخلصين، بأن أهل هذه الإمارات وأرضها في يوم ما من عمر المستقبل ستشكل وطناً للجميع يحبونه ويحبهم.
في تلك الحقبة من الزمن كانت المنطقة التي تتشكل منها دولة الإمارات الآن تواجه مهمة عصماء هي التنمية، وتبني منظومة جديدة خاصة بالمنطقة وأهلها، تضمنت الأفكار السياسية وأسس التنمية الاقتصادية لجعل المجتمع والدولة والقبائل ذات هوية واحدة متراصة بما فيه الكفاية في سبيل جعل المنطقة تدرك ما فاتها من تقدم وتطور وتنمية، وتتقدم إلى الأمام بخطى أكثر ثباتاً وقوة.
وفي ما يبدو من الأدوار التي لعبتها النخب الاجتماعية في سبيل لم الشمل الإماراتي بأنها كانت تدرك بأن المجتمعات الإنسانية تتطور عندما يتواجد لديها ترابط وتراص وتضامن.

في حالة دولة الإمارات بالتحديد، فإن الظروف الموضوعية الخاصة بالمجتمع، التي صاحبت عجلة التنمية الشاملة المستدامة، أدت إلى قيام العديد من أعضاء النخب الاجتماعية إلى العودة إلى البنى التقليدية للتنظيم الاجتماعي من أجل المحافظة على سلامة المجتمع الأصيل

خوفاً من حدوث هزات لا تحمد عقباها، وهم بذلك كانوا يستبدلون المخاوف من عدم سلامة الواقع الجيد الناشئ عن عمليات التحديث الشاملة القائمة على قدم وساق، والخاصة بتحقيق أهداف عظمى جديدة تنظر إلى مستقبل أكثر إشراقاً بواقع أكثر أملاً وشغفاً بتحقيق السلامة الاجتماعية وبعاطفة وراحة ذات صلة بالموروث الاجتماعي والثقافي القوي والمرتبط بالماضي بكل ما فيه من قيم دينية وأخلاقية وحضارية سامية.
لقد تواجدت توجسات من أن يؤدي التباطؤ في الأخذ بكل ما هو جديد ونافع إلى تقوية عوائق التقدم الاجتماعي، ما يجعل الوطن محكوماً بالبقاء في دوائر عدم التقدم التي كان يعيش فيها في ما مضى. لكن من خلال ما قامت به النخبة الاجتماعية من وجهاء وأعيان ومثقفين ورجال دين مستنيرين استطاع مجتمع الإمارات تحريك إمكانياته الكامنة وطاقاته لكي يصبح قادراً على التعامل مع الصعوبات والإشكاليات التي برزت أمامه والناتجة عن عمليات التحديث والتغير الاجتماعي وجوانب عمليات التنمية الأخرى.
لقد اتضح من تواتر السنوات الخمسين الماضية أو نيف من عمر دولة الإمارات أن دور النخبة الاجتماعية مهم جداً في مساعدة البلاد في تطوير رؤية وطنية شملت أهداف التنمية الحديثة وارتبطت بإعادة تعريف الموروث والقيم التقليدية لكي ينفتح المجال أمام إدخال كل ما هو جديد ونافع.

تلك الحقيقة قادت النخبة الاجتماعية إلى النظر إلى الموروث الثقافي والتراث الوطني بعيون جديدة وباحترام شديد.
إن من الأمور المعيقة التي كان على وجهاء البلاد وأعيانها تغييرها منذ قيام الاتحاد: النظر إلى التراث بأنه يشكل عائقاً، وإلى تعليم البنات بأنه غير ضروري، وما إلى ذلك من أفكار بالية أمكن تطويقها وتغيير النظرة إليها بطرق إيجابية مثمرة. د.