أمين ساعاتي

يحتل خيار التعليم الأولوية في "رؤية السعودية 2030"، لأن التعليم هو المدخل الأهم لبناء الأمم وتحقيق التنمية الشاملة، والمساهمة في بناء الحضارات الإنسانية، وبالتعليم تصقل المواهب ويتحقق الإبداع، وتكتشف الموارد، وتتضاعف الثروات.

ورغم أن جامعة الملك عبد الله للعلوم والتقنية "كاوست" تأسست حديثا في عام 2009، إلا أننا نستطيع أن نلمح أن جامعة كاوست سبقت الجامعات السعودية العريقة في مجالات البحث العلمي، وكسبت عددا كبيرا من براءات الاختراع على المستويين المحلي والعالمي.
ومنذ أن تأسست "كاوست" جامعة سعودية مميزة أعلنت عن نفسها كجامعة صديقة للعقل، والفكر، والبحث، والتنظير، بعيدا عن توظيف التقاليد المصطنعة، والعادات المنسوجة لتكون عقبات أمام انطلاقات العقل، والفكر، والبحث العلمي المتجه نحو بناء الحضارة الإنسانية، وتخليص الإنسان من عوائق الإنسان.

والواقع أن جامعة كاوست لها أعمال وإنجازات علمية منشورة وجد مهمة، نقتطف منها بعض الإنجازات العلمية غير المسبوقة، ونذكر على سبيل المثال أن مريم الطاهر طالبة الماجستير، كتبت بحثا في مجالات زيادة كفاءة الوقود المستخدم في السيارات بهدف تقليل انبعاث العوادم الضارة وجعل الوقود يتماشى مع شروط الطاقة صديقة البيئة، ونجحت في بحثها الذي قادها إلى الحصول على وظيفة معتبرة في شركة أرامكو.
كذلك بين أيدينا أوراق فريق من الباحثين الذين قاموا بدراسة مستقبل مناخ البحر الأحمر، ولا سيما في ظل تقلبات مناخية مفاجئة تجوب كل مكان من كرتنا الأرضية، والرائع أن هذا الفريق العلمي من "كاوست" توصل إلى نتائج لافتة، منها أن الفريق يتوقع أن البحر الأحمر سيشهد على مدار العقود المقبلة انخفاضا في درجة حرارة سطحه خلافا لباقي البحار والمحيطات، متأثرا بظاهرة مناخية طبيعية تسمى التذبذب الأطلسي متعدد العقود، ويرصد فريق البحث التغيرات في مناخ البحر الأحمر والكيفية التي سيؤثر بها التذبذب الأطلسي متعدد العقود في انخفاض درجة حرارة سطح البحر الأحمر على المدى الطويل، حيث إن الفريق توصل إلى أن الاتجاه الاحتراري الذي لوحظ من عام 1980 حتى عام 2010 كانت تسيطر عليه مرحلة إيجابية من التذبذب الطبيعي لدرجة حرارة سطح البحر، غير أنه من المتوقع أن يتحول هذا الاتجاه إلى مرحلة انخفاض خلال العقود القليلة المقبلة مع دخول التذبذب الأطلسي متعدد العقود مرحلة سلبية.
هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى نجح فريق بحثي آخر من فرق البحث العلمي في جامعة كاوست في تصميم رادار مضغوط له تطبيقات محتملة في مجالي الرعاية الصحية والأمن الشخصي، والمشروع عبارة عن مستشعرات كهرومغناطيسية تعطينا معلومات مفصلة عن أحجام الأجسام المتحركة ومسافتها وسرعتها، ويمكن لأجهزة الاستشعار المطورة أن تساعد أصحاب الإعاقات البصرية والأجهزة المتحركة "دون تدخل بشري" على الرؤية من خلال تحويل انعكاسات الرادار إلى معلومات ذات ملمح ومعنى.
وترى محجوبة إيساك الباحثة في مركز العلوم الحيوية الحاسوبية في جامعة كاوست أن التسلسل الجينومي لسلالتين من بكتيريا البحر الأحمر سيفتح الباب أمام استخدامات واسعة في الصناعة خصوصا في مجالات المضادات الحيوية الجديدة والمواد المكافحة للسرطان، وحتى المركبات المفيدة في حماية المحاصيل وصناعات الأغذية. وتضيف الباحثة محجوبة قائلة: إنه كان من المتوقع أن تنتج السلالات البكتيرية ــ القادرة على المعيشة في مياه البحر الأحمر الدافئة عالية الملوحة ــ إنزيمات قوية ملائمة للاستخدامات الصناعية، ومفيدة إلى حد كبير في كثير من مجالات حياة الإنسان.

ومن ناحيتها فإن أسرار دمدم طالبة الدكتوراه في الهندسة الكهربائية في جامعة كاوست شاركت في برنامج تدريبي لريادة الأعمال لمدة خمسة أسابيع، واستطاعت خلال التدريب أن تؤسس شركتها الناشئة "يوفيرا"، وهي شركة ناشئة في التقنية الحيوية التي تركز على زيادة عمر الأغذية الطازجة بعد الحصاد بمعالجتها مباشرة بالأشعة فوق البنفسجية.
وشاركت أسرار في مسابقة لطرح أفكار المشاريع والشركات الناشئة في تموز (يوليو) الماضي في جامعة دريبر، وحققت بجدارة المرتبة الأولى من بين 116 فكرة قدمها مشاركون من 18 دولة مختلفة، وتم تصنيف فكرتها على أنها أكثر الأفكار التجارية الجاذبة للاستثمار من قبل أكثر من 30 شخصا من أصحاب رؤوس الأموال والمستثمرين في وادي السيليكون في سان فرانسيسكو.

وقد توجت جامعة كاوست سباقاتها البحثية والتنويرية، فحصد طالب الدكتوراه رائد الرويس جائزة أفضل ورقة بحثية في الاجتماع الدولي الـ11 لتطوير علم الموائع الحرارية، الذي أقيم أخيرا في جامعة كيوشو في مدينة فوكوكا اليابانية، واستضاف خبراء في مجالات ميكانيكا الموائع، والديناميكا الحرارية، ونقل الحرارة، والاحتراق وغيرها من المجالات المتعلقة بعلم الموائع الحرارية، كما شارك في هذا المؤتمر أكثر من 150 مشاركا من أكثر من عشر دول. وما نود أن نؤكده هو أن معيار البحث العلمي من أهم المعايير التي يستخدمها العلماء لتصنيف الدول، ولا شك فإن الدول الأكثر ثراء في بحوثها العلمية هي الدول التي تحتل المقدمة بين الدول المتقدمة.