حمد الماجد

تسمع بالإحصاءات المخيفة لجائحة فيروس كورونا وجنائز الموت التي تُساق إلى القبور، وتصلك التنبؤات المرعبة لمئات الملايين من المصابين وملايين الموتى، وتهزك انهيارات اقتصاديات الدول، وتصاب بالهلع وعدد من الدول الغربية تقف عاجزة بتقنياتها المذهلة وإمكانياتها الرهيبة عن منازلة فيروس هزيل لا يكاد يرى بالعين المجردة، بل كوكبنا الأرضي كله بألوان ساكنيه وأجناسهم يعيش حالة من الخوف غير مسبوقة، استطاع هذا الفيروس المذهل أن يشل حركة البشر، وأن يتمكن من حشرهم في بيوتهم، وتقييد حرياتهم وضبط تنقلاتهم، وحرمانهم من إجازاتهم، وتكميم أفواههم، ورش ملامس أيديهم بالمعقمات.


في هذه الأجواء الصعبة والحالات الاستنفارية القصوى، وكل فرد من سكان كوكب الأرض يحس أنه الضحية القادمة، إحساس لم تستطع أن تخلقه الحروب العالمية رغم شراستها وضحاياها الملايينية، ولا أن توجده النزاعات الدولية رغم خطورتها، ولم تنشؤه الأزمات الدولية الكبرى... مع هذا وذاك وذينك، ما برحت بعض النزاعات الدولية والمماحكات البينية والتراشقات الإعلامية قائمة لم تتأثر بالخطر الكوروني المميت الذي يستهدف كل المتنازعين وجميع المتصارعين، حتى تكاد تسمع قهقات فيروسات كورونا سخرية واحتقاراً لأعدائهم من البشر المتنازعين، بل زادت سخريات الفيروسات الكورونية وبعض الدول الكبرى تتقاذف التهم «التآمرية» حول أصل الفيروسات الكورونية ومن أطلقها واستهدف بها؟
وحتى بعض أفراد الآيديولوجيات المتخاصمة خاصة في السوشيال ميديا يتنازعون و«يتخانقون» ويتنابذون ويتصارعون، ويتسابون ويتشاتمون وعدوهم الأوحد المتوحد فيروسات الـ«كورونا» يهاجمهم ويخترق حصونهم ويهدد حياتهم وينغص عليهم معيشتهم. وضع مزر ومخجل لا يقبله عقل ولا ذوق ولا منطق.
إن الصراعات الدولية والفئوية والدينية والمذهبية والحزبية والآيديولوجية تبدو ذليلة وغير مبررة، وجيش الفيروسات المدجج بأسلحة الموت البيولوجية يهدد معيشتهم وسعادتهم وصحتهم وكيانهم. حال هؤلاء المتصارعين المتنازعين في الزمن الكوروني مثل اثنين مسافرين على رحلة جوية يتسابان ويتشاتمان ويتلاكمان بسبب وضعية الكرسي، وجناح الطائرة يقذف لهباً مهدداً بسقوط الطائرة وتحطمها وموت جميع أفرادها.
العقل والمنطق والنظر في المآلات يفرض أن تجعل من جائحة فيروس كورونا وما خلفته من هلاك في الحرث الاقتصادي، والنسل البشري والأمن الاجتماعي، محطة تأمل واستدراك للأخطاء ومراجعة للأحوال وتصحيح للأوضاع، فتتخلص الدول والأحزاب والطوائف والآيديولوجيات من كل هذا، فمن لم يغيره خطر ماحق وتهديد صاعق، كخطر كورونا الداهم المميت، فلا أمل في تطوره وتحسين وضعه، فما لجرح بميت إيلام، وكفى بكورونا واعظاً يا بشر.