تحمل السرعة الكبيرة التي تعمل بها العديد من المعامل من أجل إيجاد مصل ضد فيروس «كوفيد -19» آمالاً واعدة وأخطاراً في الوقت ذاته، فقد أعلنت مؤسسة «مودرنا ثيرابيوتيكس إنك»، أول بيانات تتعلق بتجارب على البشر، وجاءت إيجابية. بالتأكيد هذه أخبار سارة، وجاءت في وقت مبكر عما كان متوقعاً، لكن الأجزاء المتبقية من المشروع ستكون هناك صعوبة أكبر في إنجازها بسرعة.

على ما يبدو، طور 8 مرضى تعرضوا لجرعات منخفضة ومتوسطة من المصل الذي ابتكرته «مودرنا» أجساماً مضادة تمكنت من تحييد فيروس «كورونا» المستجد. ولم تتوافر لدى الشركة بيانات تفصيلية حول باقي المشاركين الـ45 في التجارب، لكنهم جميعاً طورت أجسادهم بعض الأجسام المضادة على الأقل.
ومع هذا، تبقى تلك بيانات مبكرة من دراسة صغيرة، ولا تثبت هذه النتائج المحدودة أن المصل محل الاختبار قادر على توفير حماية واسعة ومستمرة.

أيضاً، ورغم عدم وجود مشكلات خطيرة تتعلق بالسلامة، فإن ثلاثة مرضى على الأقل ممن تلقوا الجرعات الأكبر من المصل ظهرت عليهم لفترة وجيزة «أعراض تشبه الإنفلونزا» بعد الحقن الثاني لهم بالمصل.
ومن أجل أن ينجح هذا المصل، يتعين أن تظهر الاختبارات المقبلة قدرته على حماية الأفراد من «كوفيد - 19» لفترة طويلة، وأنه قادر على الحيلولة دون وقوع قدر من الأذى أكبر بكثير عما يسببه. وتتطلب الأمصال معايير مرتفعة على نحو خاص، لأنها تعطى لأشخاص أصحاء، ومن الممكن أن يعطى مصل «كوفيد - 19» على وجه التحديد إلى المليارات من الأصحاء. بطبيعة الحال، هناك ضغوط من أجل التحرك بسرعة، لكن بعض أجزاء عملية تطوير اللقاح لا يمكن ببساطة التعجيل بها.

ومع ذلك، تبقى هناك سبل محدودة لتقليص فترة التجارب البشرية الواسعة والعشوائية التي يتعين إجراؤها لتقييم مدى سلامة وفاعلية أي مصل.
من بين سبل محاولة التحرك بسرعة أكبر ما يطلق عليه نقاط النهاية البديلة، وتعني قياس مؤشرات حيوية معينة مرتبطة بفاعلية العقار، بدلاً عن انتظار البيانات الصلبة المتعلقة بالنتائج على المرضى. على سبيل المثال، يمكنك النظر في عدد الأجسام المضادة التي تخلقها أجسام المشاركين في التجارب بعد تجريب مصل. ويمكن لهذه الأدلة توضيح أن أمصالاً معينة مقترحة أو جرعات معينة جديرة بالمضي قدماً فيها.

ويبدو من المنطقي إجراء تجارب على مجموعة متنوعة من الأمصال الممكنة المتنوعة ما بين خيار «مودرنا» القائم على الحامض النووي الريبوزي الجديد، والخيارات الأخرى الأكثر تقليدية المرتبطة بفيروسات خاملة.

وسيتعين توافر عدة خيارات جيدة من أجل التصدي للتحدي التاريخي الذي يواجهه العالم في «كوفيد - 19»، والمؤكد أنه سيتضح أن بعضها أكثر سهولة في تصنيعه وتوزيعه عن غيره.

ويتعين أن تتسم دراسات الأمثال بنطاق واسع، خاصة من أجل إقرار السلامة، ذلك أن أجهزة المناعة تتنوع على نحو هائل من شخص لآخر، ما يعني أنه من السهل لمصل آمن في الغالب استثارة رد فعل سلبي من حين لآخر. وعليه، فإن إيجاز التجارب السريرية يعزز مخاطرة ظهور ردود الأفعال السيئة تلك مع توسع قاعدة الاستخدام.

لا تحمل بيانات السلامة الأولى التي أظهرتها «مودرنا» شيئاً يستدعي منع الاستخدام الواسع للمصل الذي ابتكرته الشركة. وخلال التجارب المستقبلية، التي تتضمن اختباراً جوهرياً واسع النطاق من المقرر أن يبدأ في يوليو (تموز)، تنوي الشركة استخدام جرعة متوسطة، الأمر الذي من المفترض نظرياً أن يقلص مخاطر التأثيرات الجانبية. إلا أنه في حال إفراز هذه الجرعة أكثر عن مجرد أعراض سلبية متفرقة وعابرة، فإن هذا المصل ربما لا يمكن الموافقة عليه.

من ناحيتها، سيتعين على الجهات التنظيمية تحديد حجم بيانات السلامة التي تراها كافية، بناءً على مدخلات من علماء وباحثين وأطباء. ورغم الحاجة الملحة التي يواجهها العالم، فإنه يجب الالتزام بالقواعد المناسبة المعمول بها، والانتباه لما تحمله نتائج التجارب من أدلة، وليس الانشغال بموعد زمني محدد تتعلق به الآمال.