يوسف الشريف

منذ أيام قليلة بدأ مصطلح «الحرب الباردة» بالظهور مجدداً في ساحات النقاشات والمقالات والمنشورات؛ والسبب في تصريح وزير الخارجية الصيني وانغ يي، والذي قال فيه إن بكين على أعتاب حرب باردة مع واشنطن؛ ولكن الحرب الباردة بين الصين والولايات المتحدة قد بدأت بشكل جلي منذ منتصف عام 2018؛ عندما بدأت الحرب التجارية بين الدولتين، واليوم وبعد أربعة أشهر من التصريحات النارية للإدارة الأمريكية واتهامها للصين بنشر فيروس «كورونا»، أو التأخر في الاستجابة، فإن الحرب الباردة أصبحت أكثر سخونة، خصوصاً أن الجانب الصيني بدأ يستخدم أسلحته الإعلامية ويوجه أسهمه بشكل مباشر تجاه واشنطن، بعد أن التزم الصمت طويلاً.

إن التصعيد الذي تتخذه أمريكا يأتي من أعلى الهرم الرئاسي من البيت الأبيض والرئيس دونالد ترامب، ولكن في الصين الأمر مغاير، فالتصعيد يأتي من وزير الخارجية أو المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية، بينما ينشغل الرئيس الصيني شي جين بينغ في جولاته التفقدية لإعادة استئناف النشاط الاقتصادي الصيني، وهذه النقطة تحديداً تصب في مصلحة الصين في هذه الحرب، فعجلة الاقتصاد هي الحرب بأم عينها بالنسبة لكلتا القوتين.

الجميع يسأل إلى أين ستصل هذه الحرب، وما هو مآلها في النهاية، وهل ستكون في طريقها وأسلوبها مشابهة للحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي؟، بالطبع لا، فالصين ليست كالاتحاد السوفييتي، خصوصاً في الجانب الاقتصادي، ففي عام 1990 كانت الصادرات الأمريكية للاتحاد السوفييتي لا تتجاوز مليار دولار، في حين أن صادرات أمريكا للصين تتجاوز 100 مليار دولار، والحرب الباردة ستكون حامية على أمريكا أكثر مما كانت عليه الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي، وبالطبع سوف تتأثر الصين بهذه الحرب لكن لمن الغلبة؟، سيكون الرهان على من يبتلع الآخر اقتصادياً.

نحن الآن في عصر العولمة، أي أن خفافيش ووهان يمكن أن تؤثر على مزارعي مصر، وبعوض واشنطن يمكن أن يؤثر على عاملي مناجم الذهب في جنوب أفريقيا، ولذا وجود حرب باردة سيكون تأثيره على جميع دول العالم لما للعالم من ارتباط كبير في الحركة التجارية والعلاقات السياسية.

إن فكرة الحرب الباردة برمتها فكرة سيئة ليس فقط على أقطابها المتنازعة إنما على العالم أجمع، فالعالم تأثر سلباً طيلة شهور الحرب التجارية بين أمريكا والصين فكيف بحرب باردة ستدخل بها جميع الأوراق السياسية والاقتصادية والعسكرية غير المباشرة، فهذا سيكون له تأثير أكبر على جميع دول العالم، وسيؤثر على أسعار البترول بشكل كبير، لذلك هذه الفكرة برمتها سيئة، خصوصاً بعد الأزمات التي لحقت بالاقتصاد العالمي خلال السنوات الماضية.

إن من الواجب التنويه له أن الصين لم تعد في حقبة الإمبراطورية وقد خرجت من عباءة الاشتراكية اقتصادياً ولو أنها متمسكة به كنظام سياسي أو حزبي يدير شؤون البلاد، إنما اقتصادها أقرب ما يكون للنظام الرأسمالي، لذلك دخولها في حرب باردة سيكون له تأثير مباشر على الاقتصاد العالمي خصوصاً بعد أزمة «كورونا»، والتي أضعفت الاقتصاد العالمي وأعادته للوراء، ولذا من الأفضل إيجاد من يجمد هذه الحرب قبل أن تجمد برودتها حركة التجارة العالمية.

إن المجمد الحقيقي لهذه الحرب الباردة هو إيجاد نظام اقتصادي وسياسي متعدد الأطراف، فبما أننا في عصر العولمة فيجب تطبيق مفاهيمها حتى في القوى العالمية ومن حق كل دول العالم أن تكون شريكاً في نظام عالمي قائم على التشاركية ولن يكون هذا إلا بتفعيل دور المؤسسات والمنظمات الدولية وإن كانت ضعيفة في الوقت الحالي، إلا أن تقوية قوانينها وسلطتها العالمية سيكون هو الحل لمنع هذه الحرب وغيرها من الحروب الباردة أو التجارية أو حتى العسكرية، وهذا هو الحل الوحيد لضمان استقرار العالم، فأكثر ما نحتاج إليه للتعافي من أزمة «كورونا» أن نؤسس لنظام متعدد الأطراف، فبعد أن بدأت المؤشرات الاقتصادية بالتعافي بعد إجراءات إعادة الفتح ظهرت الحرب الباردة لتلوح بالأفق، لذا من الأفضل تجميدها قبل أن تبدأ.