بعث الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي برسالة قوية حول ما يجري في ليبيا من صراع، باتت تركيا طرفاً مباشراً فيه، بعد أن ألقت بكل ثقلها لدعم طرف ليبي على حساب آخر، من أجل تحقيق مصالح أنقرة الاقتصادية وإشباع نهمها للتوسع والهيمنة.. ووضع السيسي الليبيين أمام حقيقة مفادها: أنه لا مستقبل للاستقواء بالخارج، وأن الحل السياسي يجب أن يكون رهان الفصائل الليبية الوحيد، وأن «القاهرة» لا تزال على مسافة واحدة من جميع الأطراف، ولكنها لا يمكن تحت أي ظرف من الظروف أن تسمح لمشروع «أنقرة» بالوصول إلى حدودها الغربية.
ويرى خبراء سياسيون أن مصر ألقت بأكبر حجر في بِرْكَة الملف الليبي الراكدة، من خلال مبادرتها التي ترتكز على وحدة الأراضي الليبية وحمايتها من أطماع القوى الإقليمية وفي مقدمتها تركيا، التي فهمت الصمت المصري إزاء تدخلاتها ضعفاً، فخرقت كل القواعد الجيوسياسية، وأنشأت جسراً جوياً لنقل المرتزقة والإرهابيين من سوريا إلى نطاق الأمن القومي المصري، وخاصرة أوروبا الجنوبية.
لقد كشفت الأزمة الليبية عن أجندة أنقرة التوسعية ورغبتها في استعادة أمجاد إمبراطورية عثمانية غابرة، ارتبطت في أذهان العرب بالهمجية والظلم والتخلف والقسوة.
وكشفت أزمة ليبيا كذلك عن نظرة الساسة الأتراك القاصرة، وفي مقدمتهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للواقع العربي، الذي لا يزال رغم هشاشته وتفككه واعياً للمخططات التركية الرامية للعودة إلى المنطقة، محمولة على ظهر الجماعات الأيديولوجية المتطرفة، التي يمكن وصفها بأنها أخطر نقطة ضعف عانى منها العرب لعقود، حيث تتسرب منها المشاريع الخارجية في حقب الضعف العربي.
يتمدد مشروع «الخلافة» الذي تتصدره تركيا في ليبيا والصومال وتونس وشمال سوريا، ويتوغل مشروع «الولاية» الذي تقوده إيران في العراق ولبنان وسوريا واليمن، وللمشروعين كما تؤكد الشواهد أنصار في الخفاء والعلن في هذه الدول وغيرها، حيث يختبئ «دهاقنة» وضحايا التضليل والتغرير الأيديولوجي خلف واجهات مختلفة، يتحينون الوقت المناسب والفرص السانحة للانقضاض على نموذج الدولة الوطنية الذي يعدونه ألد أعدائهم، بعد مشاريع القومية العربية التي أسهموا لعقود في محاربتها.
وبالطريقة ذاتها التي اتبعتها الجماعات والتيارات الراديكالية وتوابعها من الجماعات الأخرى، التي خرجت من عباءتها لمحاربة التيارات الأخرى وتكفيرها وتخوينها، سواء تلك القومية أو الوطنية، يعتبر أتباع مشاريع «الخلافة» و«الولاية» اليوم الدول العربية القوية والمتماسكة مثل مصر والسعودية والإمارات عائقاً جديداً أمام تلك المشاريع الدخيلة التي ليس لها أي هدف سوى عبادة نهج «التبعية» وتمجيده.
التعليقات