«إن الهدف الأساسي من التعليم هو خلق بشر باستطاعتهم القيام بأشياء جديدة» شذرة معرفية من شذرات رائد نظرية التطور المعرفي جان بياجيه الذي خلدت التربية أفكاره، فالهدف الأساسي في العمليات التربوية هو خلق معرفة جديدة بالغالب، وهذا يعني أن التوقعات عملية حاضرة كإرث عقلي، وأستحضر الحديث عن بياجيه ليس فقط كعالم نفس بل بصفته أحد أهم المؤثرين في المفاهيم المعرفية، فالتوقعات عملية تبدأ منذ اللحظة الأولى التي نأتي فيها للحياة تتطور من الحس والحركة وصولاً للحدس والتنفيذ، فلو اعتبرنا أن الحدس توقع فنحن نفهم من أين بدأت القصة، يقال في السياق الحياتي العام «اخفض سقف توقعاتك» وتردد الأمثال «على قد لحافك مد رجليك»، وهكذا يتم اغتيال جانب مهم من البناء المعرفي الإنساني بهذه العبارات، بل قد تقتل الكثير من الأحاسيس والمشاعر في أجندة التوصيات والتحفيزات التراثية (لا تتشره عليه) (ما هو كفو) وديباجات الخذلان والجحود والنكران.

إذاً التوقعات عملية عقلية قبل أن تكون هاجساً شعورياً، لكن يا ترى هل يمكن للتوقعات أن تصبح عثرة في حياة الإنسان سواء اليومية أو بشكل عام؟ بلا شك أن المبالغة في التوقعات قد تدخلك في متاهة كبرى، نشرت فوربز 8 توقعات غير واقعية ستدمر حياتك أوردها مختصرة «أن تعتقد أن الحياة يجب أن تكون عادلة، أن تظن أن الفرص ستقع في طريقك، أن تتوهم أن الجميع يجب أن يحبك، أن تعتقد أن الناس يجب أن تتفق معك، حينما تظن أن الناس تفهمك، حينما تقول إنك ستفشل، حينما تظن أن الأشياء ستجعلك سعيداً وتنسى الجانب الذاتي، حينما تتوهم أنك تستطيع أن تغير من حولك»، يزيد عليها الباحثون أن هذه التوقعات المرتفعة تخلق عوائق أهمها الإفراط في حسن الظن حتى يتم إيذاؤك وصعوبة الثقة أو فقدانها في الناس، أن تعتقد أن الناس سيمنحونك الجانب الأفضل منهم، تصبح صعباً جدّاً على نفسك إو لا تمنح نفسك يوم إجازة، أخيراً قد تقع في فخ المبالغة في الاستحقاق.

توقعاتك تصنع واقعك، فكن متيقظاً ولا تبالغ في وضعها أو التعامل مع تبعاتها، يقول الباحثان فيليب ماك غوير وباولا دازان في ورقة علمية بعنوان (دور التوقعات في الاضطرابات النفسية وعلاجها): «إن التوقعات هي الإدراك الموجه نحو المستقبل والتركيز على حدوث/‏ أو عدم التوقعات السلبية بالأحداث المستقبلية، وهذا يعني أنك قد تقع في خطأ التنبؤ، فالتحصين المعرفي والسياق المعلوماتي أمور مهم أخذها بالاعتبار لدى صناع القرار»، وأشارا إلى أن هناك تحديّاً في التحقيق في دور التوقعات من منظور إكلينيكي ونقل هذه المعرفة إلى ممارسة العلاج النفسي والأدوية النفسية.

قد يسمح هذا النهج بوصفهم بفهم أفضل لديناميكيات الاضطرابات العقلية والنفسية الجسدية، وتوجيه تطوير التدخلات المصممة على أساس آليات فعالة للغاية. علاوة على ذلك، فإن التركيز على التوقعات واستمرارها يساعد في تفسير سبب فشل بعض العلاجات. بعض الاضطرابات النفسية هي «اضطرابات توقع» حسب رأي غوير ودازان، بشكل خاص في حالة اضطرابات القلق، مثل الرهاب واضطراب الهلع واضطراب القلق العام. في هذه الحالات، يتوقع المرضى عواقب وخيمة عند التعرض لمحفزات أو مواقف أو تجارب معينة في اضطراب الوسواس القهري، يتوقع المريض عواقب وخيمة إذا كانت السلوكيات القهرية محظورة. يكمل الباحثان: «يبدو أن دور التوقعات في اضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) أكثر تعقيدًا. بينما يشعر معظم الناس بالأمان ولا يتوقعون أحداثًا مروعة، فإن هذه الثقة الأساسية في مواقف الحياة اليومية تنتهك إذا كان الناس يعانون من الصدمة، بعض المرضى الذين يعانون من اضطراب ما بعد الصدمة لا يريدون التحدث عن الصدمة لأنهم لا يتوقعون أن يكونوا قادرين على تحمل المشاعر التي ستنشأ».

هل كنت تتصور ما يمكن أن تصنعه (توقعاتك) بك؟ أو بمن حولك؟ الآن الجانب الأهم بالنسبة لي هلا توقفنا عن ممارسة (التوقعات) نحو الآخر؟ لن تصل لمرحلة التجرد من الآخر إلا إذا تحررت من الأنا المركزية، وعرفت (أنك لست محور الكون) وأن ما يدور في رأسك ليس الحقيقة المطلقة، وأن تلك الفتاة اللطيفة ليست في انتظار مبادرتك، وذلك الرجل المهذب هو لا يتودد إلى زميلته، (التجرد) مهارة تقتضي (المرونة، الوعي)، شخصياً لا أضع توقعات بالآخرين ما يزعجني فقط هو التوقعات التي يضعونها لي! فأنا أنزعج بشدة حينما يخبرني أحدهم «أنا فخور بك» ولا أنزعج ممن يقول «خذلتِ توقعاتي» نعم فأنا لست مسؤولة عن توقعاتك، ولم آتِ للعالم لأغذي أوهامك، لدي الكثير لأفعله.