تتهيّأ طهران لملاقاة انتقال السلطة في الولايات المتحدة الى الرئيس المنتخب جو بايدن في العشرين من الشهر المقبل، ويأمل الرئيس الإيراني حسن روحاني أن تتغير سياسة واشنطن ومقاربتها للعلاقة مع إيران 180 درجة، فيعود كل شيء الى ما كان عليه قبل شهر تشرين الثاني (نوفمبر) 2016 تاريخ انتخاب الرئيس الحالي دونالد ترامب، هو الذي أقدم بعد أقل من سنة ونصف سنة على تمزيق المشاركة الأميركية في الاتفاق النووي الإيراني، معلناً في نهاية تموز (يوليو) 2016 خروج بلاده من الاتفاق الذي وقعته، إضافة الى إيران، مجموعة الـ"5+1" الدولية، ما اعتبر يومها إنجازاً تاريخياً، بل أهم الإنخازات التي أراد الرئيس الأسبق باراك أوباما أن يخلفها إرثاً تاريخياً لولايته الرئاسية.

مع ذلك خرجت واشنطن ترامب من الاتفاق بالتزامن مع توتير العلاقات بإيران على قاعدة مواجهة استغلال الأخيرة الاتفاق لكي تلتف عليه، أولاً من خلال البرنامج النووي العسكري السري الذي قتل قبل أيام المسؤول الأول عنه محسن فخري زاده في إحدى ضواحي طهران، وثانياً من خلال تطوير برنامج الصواريخ البالستية الدقيقة التي أبقاها أوباما خارج التفاوض سنة 2016، إضافة الى توسيع طهران سياستها التوسعية العدوانية في الشرق الأوسط بما هدد حلفاء أميركا وجودياً، وهدد معهم النفوذ الأميركي من الناحية الاستراتيجية.

برغم الخطاب الإعلامي الإيراني الموجه للاستهلاك المحلي، لا يخفى على المراقب أن القيادة الإيرانية، بجناحيها العاملين في الاتجاه نفسه، مع اختلاف الأساليب، تراهن على بايدن للعودة الى الاتفاق النووي ورفع العقوبات التي أنزلتها بها إدارة دونالد ترامب، حتى لو تم اشتراط التفاوض اللاحق على البرنامج الصاروخي البالستي وسياسة إيران الإقليمية، إذ يعتبر الإيرانيون أن الأولوية اليوم هي لرفع العقوبات الاقتصادية الخانقة، و"تحرير" البرنامج النووي من الضغوط الأميركية، لا سيما أن سقوفه الزمنية قصيرة جداً، وهي في مصلحة إيران الاستراتيجية.

وتعتبر آراء كثيرة في واشنطن أن الأولوية الآن يجب أن تكون للتفاوض مع الإيرانيين على وقف برنامج الصواريخ البالستية الدقيقة الذي يجري تطويره بسرعة فائقة، وبات يهدد كل عواصم المنطقة وحواضرها، بما فيها إسرائيل نفسها، التي قد تجد نفسها في حال نشوب نزاع عسكري مع إيران أمام معضلة كبيرة تتمثل في ما إذا كان بوسعها استخدام السلاح النووي ضد إيران لوقف الهجمات الصاروخية الدقيقة على مدنها ومنشآتها الحيوية أم لا!

طبعاً تراهن إيران على جماعات الضغط في الولايات المتحدة المنتمية الى "الأوبامية" لكي تنتصر وجهة نظرها في الإدارة الأميركية حتى تتمكن من العودة الى المرحلة السابقة لانتخاب ترامب. ومن هنا أهمية قيام جبهة "سلام إبراهيم" بجهد كبير مضاد لجهد "الأوباميين" في واشنطن. وعندما نتحدث عن جبهة "سلام إبراهيم" فإننا نعتبر أن المملكة العربية السعودية التي لم تنضم اليها رسمياً هي في أساس الجبهة من خلال دعمها لأطرافها العرب الذين يمتدون من الخليج الى المحيط! وهنا لا بد من القول إن جبهة "سلام إبراهيم" المرشحة للتوسع يمكنها أن تلعب دوراً مركزياً، من خلال تنسيق استراتيجية مواجهة إيران في الشرق الأوسط، من أجل إعادتها الى خلف حدودها، ومحاصرة تهديداتها، فضلاً عن محاصرة "الأوباميين" في واشنطن الذين يتهيأون للعودة على "حصان أبيض" مع الرئيس المقبل جو بايدن.

لقد تغيّر مشهد الشرق الأوسط، وتغيّرت المقاربات لمواجهة التهديد الإيراني، كما تغيّرت مقاربة تقلّب السياسة الأميركية في المنطقة. فدول المنطقة الرئيسية صارت أكثر تصميماً على عدم انتظار كلمة السر الأميركية، بل وللمرة الأولى انتقلت الى المبادرة والضغط المقابل، والدفاع بقوة عن مصالحها، استناداً الى التجربة السيئة مع إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما الذي كاد يطيح المنطقة بكاملها من أجل الاتفاق النووي الإيراني.

ما تقدم، يقودنا، في ما يقودنا اليه، الى التفكير في الدور الإسرائيلي في مواجهة إيران مع شركائها في جبهة "سلام إبراهيم". فهي مطالبة بدور مركزي في الولايات المتحدة بمواجهة "الأوبامية" العائدة في حقائب بايدن، كما أنها مطالبة في الوقت عينه بأن تكون جزءاً من نسيج المنطقة إذا أرادت أن توسّع جبهة "سلام إبراهيم"، وذلك من خلال إبراز جدية حقيقية في حل الصراع العربي – الإسرائيلي، عبر حل الدولتين الذي لا يمكن تجاوزه مهما طال الوقت، ومهما تقاطعت مصالح العرب مع إسرائيل في مواجهة إيران العدوانية. هذا بخلفية الخشية من جانب الشركاء العرب في جبهة "سلام إبراهيم" من حالة اللا استقرار السياسية في إسرائيل التي تذهب كل عام الى صناديق الاقتراع! كل هذا يعني أن مواجهة إيران أولوية وجودية في كل مكان، من العراق وسوريا، الى لبنان وغزة، وصولاً الى اليمن، وانتهاءً بدول المغرب العربي التي تشهد منذ سنوات اختراقات خطيرة من الإيرانيين. ومن أجل ذلك فإن التفكير من خارج العقل التقليدي واجب من أجل البقاء!