الديموقراطية كما يصفها البعض هي علم الإنتاج والعمل والبناء، ولم تكن يوماً من الأيام تهريجاً وتهديداً واستبداداً وابتزازاً، وهي أيضاً في جوهرها الاعتراف بالآخر وحماية حقوقه ومصالحه وليست «مصامخ روس أو دق خشوم» على حد وصف أحد السادة النواب، وهي أيضاً بالطبع ليست عفرتة وشقاوة كما يحاول النائب محمد المطير الظهور بهذا المظهر دائماً، وأنصح لجنة الظواهر السلبية دراسة حالته وسلوكياته! لكن للأسف هذا الوصف الدقيق للديموقراطية غير موجود في أدبيات ومفاهيم بعض أعضاء مجلس الأمة، فمن بينهم أكاديميون ومحامون ودكاترة قانون وأطباء ورجال دين بمعنى أنهم النخبة في المجتمع، لكننا للأسف أصبحنا نفتقد العمل السياسي الواعي الرزين، وأصبح لدينا نواب شعبويون مزايدون، لكنهم ليسوا برلمانيين حقيقيين هدفهم وغايتهم المصلحة العامة التي يجب أن تسمو على جميع المصالح الخاصة والفردية، أقول ذلك عطفاً على ما حصل في الجلسة قبل الأخيرة لمجلس الأمة، التي أدارها الأخ أحمد الشحومي بكل رحابة صدر، حيث تمت مناقشة طلب تشكيل لجنة تحقيق خاصة بما حصل في الجلسة الافتتاحية من أحداث وتداعيات، وهنا أعتب كثيراً على رجال القانون من النواب، وهم كثر، فمن واجبهم توعية الآخرين من الأعضاء والوحيد الأوحد الذي كان يتحدث للأمانة بالقانون حتى لا يضيع حقه وسط ذلك الهرج والمرج، هو النائب الدكتور هشام الصالح، وبالعودة للجلسة الافتتاحية وبعين المراقب والمطلع وكرجل قانون (وأكرر أتحدث بالقانون لأن البعض يخلط القانوني بالسياسي خدمة لمصلحته)، أجد أنه ليست هناك أية جريمة جزائية قد وقعت على المجلس كمؤسسة برلمانية، وإذا كان هناك من يعتقد من السادة الأعضاء أنه قد تم الاعتداء عليه بالسب والقذف فليتقدم هو شخصياً إذا ما رغب بشكوى وبلاغ شخصي للجهات المختصة، فالمسألة يحكمها نص المادة ١٠٩ من قانون الإجراءات والمحاكمات الجزائية، حيث لا يجوز رفع الدعوى الجزائية إلا بناء على شكوى المجني عليه وينتهي هذا الأمر بسلام بعيداً عن إقحام المجلس بشكاوى لا طائل من ورائها، أما عن إجراءات الدخول ودعوة الضيوف، فذلك الأمر يخرج عن اختصاص السادة الأعضاء، وهو اختصاص إداري ولائحي أصيل لمكتب المجلس وفقاً للمادة ٣٩ من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة.

المؤلم أن البعض حاول خلط الأوراق وتصوير الأمر وكأنه عملية اقتحام كما جرى سابقاً، وهي محاولة بائسة لا تنطلي على أحد، فالظرف والزمان شتان ومختلفان تماماً وما حدث في الجلسة الافتتاحية والتاريخ خير شاهد، قد حدث في أغلب جلسات انتخابات الرئاسة والجمهور، كان مع هذا وضد ذاك ولم يطلب يومها أحد التقدم بشكاوى ضد أحد.

أخيراً مازلت غير مدرك ولا أفهم ماهية العلاقة بين ما جرى في تلك الجلسة من أحداث وخلاف، وتقديم السادة النواب الاستجواب لسمو رئيس الوزراء، حيث إن كل الخلاف كان برلمانياً - برلمانياً، أي بين النواب أنفسهم أو بينهم وبين الرئاسة، وهو في النهاية أياً كانت وجهة النظر فيه، خلاف حول تفسير بعض النصوص والإجراءات اللائحية، فما هي علاقة الشيخ صباح الخالد بالأمر وبأحداث جلسة الافتتاح؟! لكن يبدو لي أنه في ديموقراطية دق الخشوم لا تعرف من هو الضحية ومن هو المجرم!