بقصد التقليل من أقوال الناس أو آرائهم فيما نفعل، أو كيف نعيش، يقال: «دعك من فلان أو علّان»، أو ما شأن فلان أو علّان بنا أو بحياتنا، وأحياناً تقال من باب الحيطة، كأن يجزي أحدنا للآخر نصيحة بعدم الإتيان بفعل أو قول يجعل منه حديث فلان وعلّان، وإن وجدت بالمقابل الكثير من الأقوال، الأشبه بالمأثورة، التي تحضّ على أن نفعل ما نراه نحن صائباً أو مناسباً لنا في تدبرنا لأمور حياتنا، ولا شأن لنا بفلان أو علّان.
وفي هذا يحضر قول الشاعر الأندلسي أبو الحسن الششتري «اش عليّ أنا من الناس/ واش على الناس مني»، الذي أتينا على سيرته يوم حديثنا عن أغنية «شويّخ من أرض مكناس»، وعلى هذا المنوال يقول مطلع أغنية جميلة لجورج وسوف: «كلام الناس لا يقدم ولا يؤخر/ كلام الناس ملامة وغيرة مش أكتر»، أما عملاق الأغنية في الخليج والجزيرة أبو بكر سالم فغنّى، وبكلمات حسين المحضار: «ماعلينا من كلام الناس/ لو يقولوا عنا مهما يقولوا»، والناس هنا هم عدد يحصى أو لا يحصى من فلان وعلّان.
قد يسأل سائل: من هما فلان وعلّان؟. استنجدنا بما هو منجد من القواميس والمعاجم، كي نعرف أن المفردتين ليستا اسمين لرجلين، وإنما هما مفردتان لكل واحدة منهما معنى، نقيض لمعنى الثانية، فلفظة «فلان» تعني لغة «من خفي وستر اسمه»، وتقال أحياناً من باب التحقير للمقصود وإظهار عدم أهميته، أما «علّان» فهي على العكس من ذلك، قرينة العلنية والجهر، ويقصد بها الشخص المعلوم، أو المعروف، وحسب شرح لعزت الخيّاط فإن معنى قولنا: «قال فلان وعلّان»، يعني: «قال المجهول والمعلوم من القوم».
والقوم، أو الناس، فئتان؛ فئة معلومة، نعرف أفرادها، وفئة مجهولة لا نعرفها، ومن باب أولى فإن أمرها لا يعنينا بمقدار ما يعنينا أمر الفئة الأولى، ولكننا عندما نقول ما قاله الشاعر«اش عليّ من الناس، واش على الناس مني»، نكون قد قصدنا في المقام الأول أولئك الذين يعرفوننا والمعنيين أكثر بشؤون حياتنا، وبما نأتي به من أفعال.
في عالم اليوم، ومع سطوة وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي، فإن «فلان وعلّان» لم يعودا تعبيراً عن حيز مجتمعي محدود، بالكاد كانت تصل إليه الأخبار فيما سبق، وإنما باتا فضاءً مترامي الأطراف، متخطياً للحدود والحواجز، يخترق كل جدران ما ندعوه بالخصوصية، ويقتحم حيوات من يختار من الناس ليجعل من أدق التفاصيل فيها، حديث الرأي العام، القاصي منه والداني.













التعليقات