«كريس بار» مواطن أميركي، شغوفٌ بركوب الأمواج منذ صباه، ومعتدٌ بمهارته البدنية وتوازنه الدقيق على الماء، وبينما كان يمارس هوايته ذات يوم، تعرض لحادث مؤسف أفقده القدرة على تحريك عنقه وقدميه. بعد سنتين أمضاهما في مشفى بولاية مينيسوتا من دون تحسّن، طلب الأذن بإنهاء حياته. وفي الأثناء، كان مواطِنِهِ الدكتور محمد بيضون، الأميركي من أصل لبناني، يبحث عن مريض متطوع يدخل في تجربة طبية هي الأولى من نوعها في العالم، تؤخذ مادة من جسمه ثم يعاد ضخها في الحبل الشوكي لتحفيزه على العمل. بعد مضي يومين على العملية، تمكن كريس بمساعدة زوجته، ومن السير في أروقة المشفى بخطوات مترنحة. ويعتبر الدكتور بيضون من الجيل الثاني للمهاجرين اللبنانيين إلى الولايات المتحدة، ممن برزوا في مجالات حيوية عدّة، من بينها الطب الدقيق.
هذا الاستهلال يفضي إلى السؤال: هل يمكن لهجرة الأدمغة العربية إلى الخارج أن تتوقف؟ إنها في ازدياد، ووفقاً للتقارير المتواترة فإن لبنان يأتي على رأس قائمة البلدان العربية في موضوع الهجرة خلال السنوات والعقود الأخيرة. وبعيداً عن جملة الأسباب التي تدفع الأدمغة العربية إلى ترك بلدانها، فإن الأخبار غير السارة في هذا السياق ترد من لبنان الذي كان ذات يوم مستشفىً ومنتجعاً عربياً، ومركزاً دولياً للخدمات المصرفيّة، بل كان يطلق عليه «باريس الشرق»؛ إذ كان مصدر كل جديد مبهج. والأخبار تخصُّ مجال الاستشفاء في هذا البلد المنهك، إذ تتحدث الأخبار والتقارير عن هجرة الكثير من الأطباء اللبنانيين، بما في ذلك 100 طبيب في الفترة الأخيرة، ينتمون جميعاً إلى الفئة العمرية بين 35 و55 عاماً. أحد المحللين يقول: إن المخيف ليس الأرقام المرتفعة بحد ذاتها، بقدر ما هو المكان الذي غادروا منه أولئك الأطباء، إذ غادروا جميعاً من مركز طبي واحد، هو مشفى الجامعة الأميركية ببيروت. إن مؤشراً كهذا يعني أن «الفرار» من الخدمة الطبية بعد اليوم سوف يكون جماعيّاً، فضلاً عن أن هؤلاء الأطباء يشكلون حلقة وصل بين المتخرجين الجدد والأطباء المخضرمين، ما يجعلها خسارة لريادة عُرف بها لبنان. وآخر التصريحات الصادرة عن نقابة الأطباء تفيد بأن عدد الأطباء الذين طلبوا شهادة خبرة «مترجمة» لاستخدامها في الخارج بلغ 600 طبيب، وجهتهم على الأرجح دول الخليج العربي، تليها أميركا وأوروبا.. ويسألونك لماذا تذبل الأوطان؟!