تبدو السينما في وعي المستثمر العربي، وكأنها شيء زائد، ليست ذات قيمة بالمعنى المالي، ولا تهمه كثيراً، وتغيير صورة العربي من آخر اهتماماته، وهي مجرد رومانسية تراود الكتاب والفاعلين الثقافيين الفقراء، ومنهم السينمائيون.

المسألة في النهاية، بالنسبة له، ليست استراتيجية، ولا تحقق أرباحاً في المدى المنظور، أضف إلى ذلك كله، غياباً شبه كلي لجمهور السينما الوطنية، أو لنقل إن الجمهور الذي كان، مات واندثر لأسباب اجتماعية ودينية وربما ثقافية أيضاً.

لا تقوم المؤسسة التعليمية بأي دور في هذا السياق، ففي سبعينيات القرن الماضي في الجزائر مثلاً، وليس في العاصمة، ولكن في مدينة صغيرة هي تلمسان، كانت السينما جزءاً من التكوين العام، وكان التلاميذ في النظام الداخلي، يقادون كل يوم أربعاء إلى صالات السينما بالخصوص سينما «ريكس» Rex، لمشاهدة الأفلام العالمية التي يتم انتقاؤها بمقابل رمزي يكاد لا يذكر، وفي نهاية العرض تتم مناقشة الفيلم بحضور أحد الممثلين، أو المخرج، أو مثقف مختص في النوع السينمائي، يبدو اليوم كلام مثل هذا خرافيّاً، وتراجيدياً عندما نرى ريكس وما آلت إليه، فقد أصبحت قاعة مهملة، أبوابها مفككة ومغلقة بسلاسل حديدية.

في ظل وضع كهذا، قد لا تكون السينما اليوم مغريَّة للاستثمار، فهناك غياب كلي للمبادرة، والمغامرة السينمائية عند المنتج العربي، والدولة متخلية كلياً عن ذلك، غارقة في المشكلات الاقتصادية، مع أن الأمثلة الماثلة أمامنا مهمة، جزء من الاقتصاد الأمريكي مؤسس على مداخيل الإنتاج الثقافي والسينمائي تحديداً، هوليوود في حرب الصورة راهنت على تغيير صورة اليهودي في أوروبا، التي تأسست تاريخياً على معادة السامية، وكانت السينما وسيلة حية ومؤثرة باتجاه هذا التغيير.

وفي ظل استيلاء الحركة الصهيونية على هوليوود، انتقل المنتجون من الدفاع عن اليهودي وأنسته، إلى تعويضه بصورة العربي الذليل، الإجرامي الذي لا يوثق فيه.

هو نفس الجمهور الذي يرى في الهندي الآباش المدافع عن أراضيه، قاتلاً ومتوحشاً، والسؤال الآن: أين الصوت العربي سينمائيّاً؟، ألا يمكن أن تفكر السينما العربية في صناعة الصورة المقاومة بتأسيس هوليوود عربية أو شبيه لها من حيث الأهداف كما فعل الهنود مع بوليوود؟، وكيف يمكن بناء جيل آخر خارج قيم الذل التي يشربها العربي مع فنجان قهوته الصباحية والمسائية؟

هناك لحظات عظيمة كبيرة في تاريخه، في مقاومته، تضع الذي يتهم العربي بالتوحش، أمام توحشه الذي صنع حربين عالميتين مدمرتين، وأنشأ المحرقة اليهودية، وتفنن فيها قبل أن يحول عقدة الذنب نحو العربي الذي لم يكن له أي دور في هذه الجريمة، أو جريمة الغجر التي يتم إخفاؤها حتى اليوم لأنها لم تجد من يرفعها عالياً، ويقدمها عالمياً ثقافياً وفنياً.. فمتى ندرك أن الصورة هي رهان الحاضر التي يتم تصنيع الغد بها؟