قبل أسابيع، وتحديداً في 11 آذار الماضي، قال وزير الداخلية محمد فهمي كلاماً مقلقاً جداً لكنه كان كلاماً واقعياً ومسؤولاً لمجرد انه صادق ويعبّر عن الواقع الكارثي الذي وصلنا اليه، ذلك أنه لم يتردد في إعلامنا ان الأمن بدأ بالتلاشي، لا بل انه تلاشى، وان قوى الأمن مستنزفة وغير قادرة على القيام بواجباتها “لقد وصلنا الى الحضيض وليس في مقدورنا تنفيذ 90٪ من مهامنا لحماية الوطن والمواطنين”.

كان هذا الكلام، على رغم بؤس الحال في البلاد، صريحاً وصادقاً، فقد ولّى زمن الحديث عن الأمن المتماسك والأمن الممسوك، وكانت نسبة عمليات السطو والسرقة تتزايد بشكل مخيف، ووصلت الى درجة سرقة اسلاك الكهرباء والأغطية الحديد للمجاري في الطرقات، إضافة الى السيارات والنشل في وضح النهار.
لكن المثير والذي لا يصدَّق كان امس في الكلام المعاكس تماماً الذي قاله وزير الداخلية من بكركي عن “ان الوضع الأمني تحت السيطرة ونحن دائماً في جهوزية”. ليس من الواضح ما الذي تغير وحسّن من الوضع ولم نعد في الحضيض كما ابلغنا قبل أسبوعين، على رغم ان السرقات والتعديات وصلت الى درجة سرقة أبواب الموتى في المقابر، ولقد كان مثيراً للغرابة ان تسمع وزير الداخلية يقول ان الأمن تحت السيطرة، وان تشاهد تقريباً تظاهرة للموتى يخرجون من قبورهم صارخين: سرقوا ابوابنا.

ولكن اذا كانت سرقة بوابات المقابر تنقضي بتظاهرة اعتراضية من الموتى، فغداً عندما تبدأ سرقات بوابات المنازل لأن “الجوع كافر” كما قال فهمي، فقد يلعلع الرصاص وتسيل الدماء ونذهب الى حيث لا تحمد عقباه والذي سبق ان عرفناه سابقاً حروباً عبثية مجنونة.
نعم الجوع كافر، لكن لا يكفي ان يعتمد وزير الداخلية على ان “نفسية الشعب اللبناني الطيبة تمنعه، وان اللبناني بأخلاقه ونفسيته لن يسمح لأخيه وصديقه بان يجوع”!

غريب فعلاً انهم يسرقون بوابات المقابر وحديد الأرصفة واسلاك الكهرباء ومولدات ضخ المياه، وسيحاولون غداّ سرقة من يجرؤ على ان يمر في الشارع وفي يده رغيف فلافل. أوَلم تشاهد المعارك ضد السيدات في السوبرماركات بسبب خلاف على علبة حليب مدعوم، ومن “السلّة الغذائية” التي توهّم زميلك وزير الاقتصاد ورئيس حكومتك انها ستحلّ مشكلة الأسعار، فأصبحنا تماما كما يقول صديقك النائب بلال عبدالله:

بعدما كنا شعباً واحداً في بلدين صرنا مصرفاً مركزياً واحداً في دولتين، حيث يتم تهريب الأغذية والأدوية والبنزين والمازوت والأعلاف والدولارات عبر الحدود الفالتة والنازفة مع سوريا، ربما لان اللبناني كما تقول بأخلاقه ونفسيته لن يسمح لأخيه وصديقه السوري بأن يجوع!

ولكن حتى الموتى سُرقت مقابرهم، والذهاب لشراء كيلو سكر من السوبرماركت مغامرة محفوفة بالمخاطر والبهدلة، فمن أين وكيف لك ان تفاجئنا بان الأمن تحت السيطرة، بعدما ارتحنا فعلاً الى صراحتك يوم قلت لنا اننا في الحضيض الأمني!