اللغة العربية عظيمة بكل شيء.. لغة طربية وموسيقية وانسيابية وتسر السامعين.. وهذه اللغة هي التي اعتمدتها الصحافة في عالمنا العربي لتصدر من خلال الرأي والخبر والمقال والتقرير وكل ما تنشره هذه الصحافة على أوراقها.. وهذا بالطبع جعل العربي وطوال حياته حينما يتنقل داخل الخريطة من المحيط إلى الخليج يتواءم مع ما تصدره الصحافة الحية ويتعايش معها دون حواجز..
العرب يتكلمون العربية وهذا مثل تفسير الماء بعد الجهد بالماء، لكن لهجاتهم المحكية تبدو غريبة على بعضهم البعض.. فالخليجيون مثلًا قد يجدون معاناة وصعوبة لو قرأوا المغرب العربي بما يحكيه أهاليها.. بل لن أفشي سرًا إذا قلت إن بعض الدول العربية يحكي أهاليها لهجات تحتاج أحيانًا كثيرة إلى مترجمين بينهم..
صحافتنا تتحدث العربية الفصحى، لكن هذا لا يمنع أبدًا القول إن هذه المهنة الأبدية الصامدة لها أيضا لغتها أو على أقل التقادير لها لهجتها.. وهذه اللهجة الصحفية أخذت من لغتنا العربية المتسعة كل ما تحتاجه حتى لا تبدو وهي تصحو كل صباح بوجه تحتل ملامحه تقاسيم الغرباء، وهذا ما تركها تتصبغ بشيء من الكلام المحكي المتجانس مع طبيعة كل دولة تصدر فيها الصحافة..
الصحافة المصرية مثلًا تأتي بلسان عربي مبين ثم تسترق كلمات شعبوية مولودة في شوارع القاهرة والإسكندرية وأسوان.. وتفعل هذا حتى لا تتوسع المسافة بينها وبين الناس، فهي لديها يقين أنها ذاهبة إلى رجال ونساء تريد إقناعهم ومعاشرتهم وملاطفتهم ما استطاعت إلى ذلك سبيلًا، ولن تحصل على مرادها دون أن تتكلم بلهجة حيوية يفهمها الناس وتلامس قلوبهم ومشاعرهم وتعبّر عن آمالهم وتطلعاتهم..
لو أعطيت جريدة الأهرام المصرية لرجل يعيش في دولة بني العباس فإنه سيفهم وسيعرف ما يدور داخل أم الدنيا.. أيضًا سيقول لرفقائه في سهرة ماتعة على نهر دجلة البغدادي إنه قرأ بالصدفة جريدة عربية على بعد ألف عام لكنه لم يفهم بعض كلماتها.. سيقول له رجل عنده علم الصحافة.. إنها لغة الصحافة يا أخ العرب..!!