"ميزانية كبيرة تلك المخصصة للبحوث تدفعها المؤسسات والشركات التي تنتج الأفلام الوثائقية، شهرياً، فقط للاشتراكات مع المصادر التي تزودهم بجديد الدراسات"، يقول عادل عبدالكريم، في دردشة لي معه.

كلما جاءنا إلى دبي من لندن، المدينة التي صارت جزءًا منه، وأحبها، أخذتنا الأحاديث صوب ناديه الأثير "تشيلسي"، وعن الزيارة التي وعدته بها منذ سنوات، ولم أفِ بها حتى الساعة، رغم الشوق إلى تلك المقاهي والمشارب والحدائق والمتاحف ومحطات المترو والمكتبات؛ ولقاء الأحبة، خصوصاً اللورد غالب درويش، الأنيس الذي واجه الإغلاقات المتتالية في زمن كوفيد -19، بمزيد من الابتسامات وفناجين القهوة والقهقهات والسيجار الكوبي الأنيق!

عادل عبدالكريم، منتج أفلام وثائقية، سعودي، يعمل بصمت بعيداً عن الأضواء، اشتغل على عدد من الأعمال المهمة، عرض مجموعة منها على شاشة قناة "العربية"، ولعل أبرزها: "كيف واجهت السعودية القاعدة"، "الشاه.. سقوط إمبراطورية".. وسواهما.

العملان المشار إليهما، كانا في عدة أجزاء، وتم الاشتغال عليهما مئات الساعات، لكي تكون لدينا بضع ساعات تم بثها.

هو عمل جماعي ممتع وشاق جداً، يتطلب أولا وجود مادة بصرية أساسية، يتم تصنيفها، تفريغها من الأشرطة، وتحديد ما سوف يستخدم منها، وتالياً وضع تسلسل بصري للمَشاهد، كيف ستعرض في الفيلم، وكيف سيتم وصلها ببعضها البعض، وما هي الفجوات الموجودة، والطريقة الأنسب لملء هذه الفراغات، لا بالثرثرات المملة، بل بالمعلومات المبنية على الصور.

الكمية الهائلة من المادة الفلمية، سوف ترفد بعمليات بحث، للتأكد من صحة المعلومات، وأيضاً لبناء خلفية علمية وتاريخية ومنطقية للسيناريو الذي سوف يتم على أساسه بناء الوثائقي، لأن الفيلم في النهاية ليس مجرد "تقرير مطول"، بل، هنالك حبكة درامية، وأبطال، وأحداث، وبدايات ونهايات. أي أن هنالك صناعة سينمائية حقيقية، أكثر مما يظن المشاهد.

فيلم "كيف واجهت السعودية القاعدة"، اشتغل فيه عادل عبدالكريم وفريقه على مجموعة واسعة من أشرطة الفيديو التي صورها أفراد تنظيم "القاعدة" أنفسهم، وقاموا بربطها بالأحداث التي مرت بالسعودية إبان فترة الإرهاب والتفجيرات، وبموازاة ذلك، كان يجري البحث عن الضباط والجنود الذين عملوا في تلك الحقبة، وكانوا جزءا من المجموعات التي واجهت وقاتلت العناصر الإرهابية. وتوفير الضيوف، هو الآخر مهمة صعبة، من أجل إقناعهم بالمشاركة، ومعرفة المناسب منهم، ومدى قدرتهم على التحدث أمام الكاميرا، وسرد المعلومات بشكل بسيط يجذب المشاهد، ويلامس البعد الإنساني.

"استغرق العمل منا سنتان، على فيلم أنتجناه لقناة ناشونال جوغرافيك عن الفيلة. كما استعنا بأستاذ جامعي مختص، للتأكد من دقة وصحة المعلومات"، يقول عبدالكريم عن إحدى تجاربه!

المشاهدون يتسمرون أمام الشاشات، ويستمتعون بالوثائيقات، وهم لا يعلمون أن هذه الأعمال الاحترافية صرفت عليها ميزانيات ضخمة، وراجعها أكاديميون من ذوي الاختصاصات الدقيقة، واستخدم في تصويرها، خصوصا تلك التي ترصد الحياة البرية والحيوانات، كاميرات على درجة عالية من الدقة، نصب بعضها عشرات الساعات، لاصطياد لقطة تستغرق ثوانيَ معدودة!