أخذت علاقتي بالسياسي والبرلماني العراقي فائق الشيخ المنحى الرسمي في بداياتها، إبان قيادتي للمركز الإعلامي الكويتي في العاصمة البريطانية، وتبلورت العلاقة لاحقاً إلى أخوة وصداقة حميمة امتدت إلى اليوم.

اعتصر النضال السياسي شخصية الأخ فائق حتى النضوج الحتمي إلى درجة لافتة قبل وبعد سقوط نظام طاغية العراق، فهو صاحب خبرات قانونية وسياسية وبحثية شتى.

لعل العوامل الثابتة يمكن حصرها في مكابدة الأستاذ فائق الشيخ علي معاناة وطنية مضنية معمقة بالحسرة والوفاء والإخلاص والانتماء لوطنه، العراق، قبل وبعد استقراره المؤقت في لندن.

فقد كان فائق الشيخ علي مجبراً على مغادرة العراق والفرار كباقي المجاميع العراقية، سواء من معارضة سياسية أو نازحين من جهنم دكتاتور العراق المقبور صدام حسين، وهذا لا يعني هرباً، بل إعداداً للهجوم الكبير المتمثل بإسقاط النظام واستعادة حرية الشعب العراقي المغتصبة.

لا يمكن أن تخطئ العين عند النظر إلى الأخ فائق، فملامحه بالنهار وبعد غروب الشمس، هي نفس الملامح والخصال، التي تجدها مستقرة فيه على الدوام، سياسياً بوجه خاص، ونادراً جداً ما يغيب عنه الهم السياسي حتى بوقت الراحة مع الأسرة والأصدقاء، فقد ودع فائق الشيخ علي ترف الحياة منذ أن نذر نفسه لوطنه العراق.

يمتلك فائق الشيخ علي كاريزما إعلامية وسياسية لافتة وحصافة بالتعبير بجرأة قاسية على نفسه وغيره في آن واحد، وهو أيضا بغاية الدقة بالوصف والسرد للتاريخ القديم منه والمعاصر.

وكسياسي واضح الرؤية وصلب الموقف وثابت الرأي، فتح فائق الشيخ علي عقله وقلبه ضمن السلسلة الرمضانية الرائعة لبرنامج الصندوق الأسود، للإعلامي البارز عمار تقي.

فائق الشيخ علي ومن يعرفه حسن المعرفة، يعلم بأنه خير شاهد على التاريخ السياسي، فلديه الكثير من المعلومات والشهادات، التي تبرهن على آرائه واستنتاجاته، لكنه بالتأكيد لا يتوهم بحديثه، ومن العبث لصق تهمة القول الواهم له بشأن العراق والخليج ككل.

ذاكرة حديدية حاضرة لدى فائق الشيخ علي حيال شتى التطورات السياسية، لاسيما ما يخص الكويت والعراق، وتحديداً قبل وبعد الحرب العراقية-الإيرانية وبعد سقوط نظام طاغية بغداد أيضا وحالة الفوضى الدموية التي تئن منها الشقيقة العراق حتى اليوم.

بالنسبة لي، لم يكن مفاجئاً ما ذكره فائق الشيخ علي عن الموقف الخليجي والكويتي تحديداً أثناء الحرب الطاحنة بين بغداد وطهران، وما صاحب ذلك من رأي مباشر له شخصياً، مترجماً بذات الوقت نبض الشارع العراقي.

لكن بدا واضحاً تهور البعض بالتعليق والاستخفاف بآراء فائق الشيخ علي، وهو الشخص المدرك بوعي شديد لكل حرف وقول يصدر عنه، ربما بسبب عسر الاستيعاب الذهني واستقرار موقف مسبق وهيمنته على هؤلاء القلة، على ما ورد على لسانه ببرنامج الصندوق الأسود وقبله أيضاً.

كشاهد على معلومات شتى من واقع رسمي سابق وشخصي أيضاً، أضم صوتي لصوت فائق الشيخ علي بالنسبة للموقف الكويتي المتعثر والضبابي، سياسياً وإستراتيجياً من الحرب العراقية-الإيرانية والموقف العراقي الراهن أيضاً.

فلم يثبت أنه كان للكويت رؤية ثاقبة بتحليل الظروف التي سبقت وصاحبت الحرب العراقية-الإيرانية واستشراف أطماع صدام حسين الإقليمية، وما قد يلحق ذلك من مؤشرات لا لبس فيها ولا تأويل لتكون الكويت الضحية القادمة بعد الشعب العراقي، وهو ما حصل فعلا في 2 أغسطس 1990 حين اجتاح الطاغية صدام حسين، «حامي البوابة الشرقية»، الجارة الكويت، متمرداً على التاريخ وشعاراته الثورية الزائفة، بل متعمداً نسف كيان الكويت كدولة مستقلة وتشويه لهوية شعبها العربي وتاريخه، وطناً ونظاماً.

وموضوع كهذا يحتاج إلى مساحة تفوق زاوية النشر، لتحليل الخطأ الكويتي ومصادره وظروفه أثناء الحرب العراقية-الإيرانية، ولكن يمكنني القول إن الكويت أخطأت مرات ومرات قبل وبعد سقوط نظام صدام ولن تكون الأخيرة، بتقديري، فنحن ما زلنا ندفع ثمناً سياسياً مكلفاً، حالياً ومستقبلاً، بسبب عدم الخروج بدرس واحد من الغزو العراقي للكويت حتى اليوم!

أضعنا فرصاً ذهبية في إعادة ترميم العلاقات مع الشعب العراقي واستثمار جسور قنوات وشخصيات صديقة وقريبة على الكويت، من أجل استئصال السموم الصدامية وغيرها من العقل والوجدان العراقي، تاريخياً وسياسياً وإعلامياً.

تناولت مراراً هذا الموضوع بتفاصيل دقيقة، مستنداً إلى وقائع ومقترحات عملية من بينها ما سبق تقديمه رسمياً ولم تنفذ حتى اليوم، وهو ليس غريباً على حكومات غارقة بعدم إدراك المخاطر الإقليمية كما نراها، وليس كما يروى لها.

لذا، فإن دوري ينتهي عند هذا الحد هذه المرة، تاركاً المجال لمن يشاء الرجوع إلى مراكز المعلومات ومحركات البحث للوقوف على الدور الذي تمنيته للكويت والعراق، وما زالت أتمناه، دبلوماسياً وسياسياً وثقافياً، وقد يكون من الأمثل العودة لمناقشة هذا الشأن مرة أخرى من جوانب حديثة وتطورات واقعية.

واضح أن اختلاق الشك بأقوال فائق الشيخ علي هو من نسيج خيال واهم أساساً، لاسيما حين يطغى مرض النرجسية على من يهوى سماع صوته وصم أذنيه عن الصوت الآخر، فالرأي الآخر بالنسبة لهؤلاء هو الوهم بعينه، حين ينام السراب في أجناب من خلق لنفسه سياجاً من الهالة الكاذبة، تفكيراً وتحليلاً.

إن ذلك هو الإمعان بالخطأ والخطيئة بحق الآخرين والتاريخ، حين يصبح تصدير الأوهام ظاهرة مماثلة للسياسات الرسمية الواهمة، وهو ما يعني أفول رجاحة الرأي والحكمة وطغيان الجزم بالرأي القاطع في التعليق والتفنيد الموهوم بالصواب!

يبدو أن الوزن الذهني يصبح هشاً مع تقدم العمر عند البعض وليس الكل، لله الحمد، بل يصبح عبئاً على أصحابه ومن حولهم من مصفقين وكورال صدى الشعوذة الذهنية والتشكيك المتعمد.