خلال قمة تعافي القطاع السياحي العالمي المنعقدة في الرياض الأسبوع الماضي بحضور وزراء السياحة الإقليميين، احتفلت منظمة السياحة العالمية بافتتاح أول مقر إقليمي لها في الرياض، وذلك لقناعة المنظمة بأهداف المملكة المميزة في القطاع السياحي، وخطواتها الجريئة لجذب 100 مليون سائح سنويا عام 2030. منذ بدء الإحصائيات الرسمية للتجارة العالمية قبل نصف قرن تفوقت عوائد النشاط السياحي العالمي على كل عوائد الأنشطة الخدمية الأخرى التي بلغ عددها 155 نشاطا.

وفقا لهذه الإحصائيات وتأكيدا لبيانات منظمة السياحة العالمية المستقبلية يتوقع ارتفاع نسبة مساهمة قطاع السياحة في الناتج الإجمالي العالمي إلى نحو 11.5 في المائة عام 2030، لتساوي قيمتها نحو 13 تريليون دولار التي تعادل قيمة التجارة العالمية السنوية في قطاعات السلع الزراعية والصناعية بما فيها النفط والغاز والمعادن.

ومن حيث العمالة، أفادت هذه الإحصائيات بأن القطاع السياحي العالمي سيوفر بحلول عام 2030 نحو 1.5 مليون وظيفة مباشرة شهريا، أي: ما نسبته 4.3 في المائة من إجمالي العمالة على مستوى العالم، ليصبح مسؤولا خلال العشرة أعوام المقبلة عن توفير واحدة من بين كل أربع فرص عمل جديدة تتم إضافتها على مستوى الاقتصاد العالمي.

ونظرا لأن نجاح السياحة يعتمد في المقام الأول على قدرة البلد المضيف في توظيف مقوماته لخدمة السائح وترغيبه في الاستمتاع بوقته وإثراء مخيلته ونقش الذكريات العطرة في قلبه لتشجيعه على تكرار زيارته، فإن السياحة تعتمد أيضا على مصداقية الخدمة التي تمنح السائح شهادة ائتمانية دائمة وقناعة ذاتية للعودة للبلد المضيف. ولكون السائح لا يهتم بالآثار التاريخية المحاطة بأكوام القمامة والمخلفات، أو الشواطئ الذهبية المسورة التي تصد زائريها ومرتاديها، فإنه أيضا يتحاشى زيارة المدن ذات الشوارع التي لا تحترم فيها قواعد المرور، وتعج بالمرتزقة والشحاذين. لذا ليس من المستغرب أن إفريقيا والشرق الأوسط التي تمتلك 53 في المائة من الآثار التاريخية في العالم، تأتي في ذيل قائمة أقل الدول ارتيادا من قبل السائحين، بينما تتربع الدول الأوروبية، التي لا تملك سوى 18 في المائة من الآثار التاريخية العالمية، على عرش أكثر الدول ارتيادا من السائحين، وتستحوذ على 54 في المائة من عوائد السياحة العالمية.


ونظرا لأن نجاح السياحة في المملكة يحتاج إلى تضافر جهود كل الأجهزة الحكومية والقطاع الخاص، فلا بد لوزارة السياحة السعودية من تكثيف جهودها مع هذه الأجهزة لتنفيذ الخطوات الجريئة التالية:


أولا: ضرورة تعريف موظفي سفارات وقنصليات المملكة بالمناطق السياحية السعودية وتأهيلهم لتسهيل حصول السائح على التأشيرات السياحية، إضافة إلى تدريب موظفي الجوازات والجمارك السعودية على حسن استقبال السائح في المطارات والموانئ، ومطالبة "الخطوط السعودية" بطباعة مجلة بمختلف اللغات توضح المعالم السياحية في المملكة، مع حثها على احترام مواعيد إقلاع الطائرات وسلامة وسائل النقل.


ثانيا: فتح الأنشطة السياحية المباشرة وغير المباشرة للاستثمار الأجنبي من خلال منح المستثمرين مزايا مادية ومعنوية تفوق التزاماتنا في منظمة التجارة العالمية وتضمن تحقيق مبدأي المعاملة الوطنية غير التمييزية وحق الدولة الأولى بالرعاية، وذلك مقابل التزامهم بإنشاء وإدارة الفنادق والمطاعم والمستشفيات والأندية الرياضية والمتاحف والمسارح والملاعب والحدائق الترفيهية.


ثالثا: إنشاء موقع إلكتروني متعدد اللغات في وزارة السياحة للإجابة عن استفسارات السائح والتعرف على المواقع السياحية في المملكة مدعما بالصور التعريفية والأنشطة السياحية المميزة المباشرة وغير المباشرة، مع كيفية الاستفادة منها والتواصل معها على أن يشمل هذا الموقع الإلكتروني على استمارة تقييم نتائج زيارة السائح، كي يكون هذا التقييم أداة فعالة في مراقبة وتحسين الخدمات.


رابعا: تشجيع الجامعات والمعاهد السعودية على فتح كليات مختصة في الأنشطة السياحية بالتعاون والمشاركة مع المؤسسات العالمية الخبيرة في هذا المجال، لضمان تدريب وتوطين الوظائف، وتوفير فرص العمل لتحقيق أهداف التنمية المستدامة.


خامسا: مطالبة الهيئة العامة للموانئ وخفر السواحل بإنشاء مواقف بحرية آمنة وجاذبة لليخوت والقوارب التي تزور شواطئ وجزر المملكة، كي تستفيد الموانئ من صيانة هذه اليخوت وتموينها بالوقود واستضافة ركابها والقائمين على تشغيلها في الفنادق القريبة منها، وتقديم الخدمات السياحية غير المباشرة لهم.


سادسا: تكوين فريق عمل من الوزارة والجهات الرسمية المعنية ومجلس الغرف لفتح باب إقامة المؤتمرات والفعاليات العالمية بمختلف مدن المملكة لجذب أكبر عدد من المشاركين من داخل وخارج المملكة، ما يثري القطاع السياحي ويزيد من استفادة منشآته.


لن نكون بلدا سياحيا إلا إذا اقتنعنا بأهمية السياحة أولا.