عند ما يتصدر مشروع الهوية الوطنية اولويات اي دولة ندرك انها على الطريق الصحيح وانها تؤسس لمستقبلها على ارضية صلبة والعكس صحيح تماما، فعندما يتراجع مشروع الهوية الوطنية يتراجع معه دور الدولة وتبدأ بالتفكك بالذات ان كانت من الدول صغيرة الحجم والامكانيات.

ولا نحتاج للاستدلال بامثلة من التاريخ القديم، فيكفي النظر للحالة اللبنانية لنعرف اهمية وجود او غياب مشاريع واضحة للهوية الوطنية. فعندما اضاع لبنان هويته «الوطنية» الشاملة كدولة ترسم هويتها وفق مصالحها المشتركة مع عمقها العربي وبناء عليه توضع الخطط والاستراتيجيات والبرامج وتعمل مؤسساته وفقا لهذه الهوية، اضاع لبنان معه كل اركان الدولة.

وبدل من ان ينصهر المجتمع المتنوع في هوية شاملة جامعة تسير وفق مصالح الدولة، تفتت الهوية الوطنية وانشطرت الى هويات صغيرة مفككة متناثرة لكل منها مصالحها الفئوية التي تحاول ان تفرضها لحماية هويتها كأساس للبقاء، فبعضهم يحاول ان يفرض هويته على الدولة والبعض الاخر يستعين بهويات اقليمية للاستقواء بها لحماية هويته المحلية والاخرين اصبحوا عرضة للاستقطاب من اصحاب مشاريع اقليمية لا علاقة لها بلبنان كدولة ولكنها تستغل هوياته الصغيرة المتصارعة خدمة لمشاريع توسعية اقليمية تضر ولا تفيد لبنان كدولة.

ومن التجربة اللبنانية نعي وندرك ان كل الدول وبالذات الصغيرة يجب ان تضع مشروع الهوية الوطنية الشاملة والجامعة على رأس اولوياتها وان ترسم هذه الهوية وفق مصالح الدولة بدأ من ارتباطاتها وعمقها الاقليمي والاستراتيجي، فدولة مثل البحرين تدرك تماما ان عمقها الاستراتيجي هو هويتها الخليجية العربية وبناء عليه ترسم استراتيجياتها وخططها وتعمل مؤسساتها وفق هذه البوصلة.

وواجبنا اليوم ان نعزز هذه الرؤية المصيرية لدى الاجيال الشابة وبالذات ممن يتم تأهيلهم لمناصب قيادية لكي يسيروا على هذا النهج الذي وضعه قادة البلد جيل بعد جيل وصولا للعهد الزاهر لجلالة الملك حفظه الله الذي تمتعت البحرين في عصره بعلاقات استراتيجية قوية جدا في محيطه الاقليمي بحكم رؤية جلالته وعلاقاته المميزة وايمانه الراسخ بهوية البحرين وفق هذا التصور، فعلاقات جلالته ثروة وطنية يجب علينا ان نستوعبها وندرك اهميتها الاستراتيجة وان نعمل على الحفاظ عليها والبناء عليها وتعزيزها لكي تستمر البحرين في التطور والازدهار بشكل تكاملي مع عمقها الخليجي والعربي مهما كان الاقليم مضطرب ومتقلب.

ما لم يكن المجتمع البحريني بكل تنوعه واطيافه مدرك لهذه الحقيقة ومنصهر في هوية وطنية جامعة، تحترم التنوع وتحميه ولكنها تقف على ارضية مشتركة تعمل وفق مصالح الدولة ومصالح عمقها الخليجي والعربي فسنكون عرضة لتقلبات اقليمية ودولية يصعب التعامل معها عندما ترتفع الامواج.

ومن خلال هذه الرؤية الاستراتيجية للهوية الوطنية وعمقها وامتدادها يجب ان تعمل كل مؤسسات الدولة، فعندما تضع هذه المؤسسات رؤيتها يجب عليها ان تتماشى مع هذه الهوية ومع مصالحها الاقليمية من دون اي تعارض ولا تناقض والاهم من غير رؤية محلية ضيقة لا ترتبط مع مصالح الدولة الاقليمية فالدول التي ترسم مؤسساتها برامج محلية مثل ما فعل لبنان غير مرتبطة بهوية وطنية لها عمق اقليمي ترتكن له تصحو على واقع مرير من عدم قدرتها على التعامل كدولة بهويات محلية مفتته لا ترتبط بمصالح الدولة الاستراتيجية انما بمصالح الهويات المتناثرة والمتنافسة.

فإن كان هناك امل للبنان ان يبقى كدولة فاعلة ومستقرة على اقل تقدير فعليه ان يوجه بوصلة هويته الوطنية الشاملة تجاه مصالحه وعمقه الاستراتيجي ولا ينشغل بإرضاء هويات فرعية لا تشكل الوطن لوحدها انما مجموعهم يشكل الوطن، فعندما انشغل لبنان بالسؤال عن هويته فينيقية او مشرقية او عربية او غيرها، انشغلت كل طائفة وبنفسها وحتى الطائفة الواحدة انقسمت لهويات فرعية فضاع الوطن.