لم يعد الاهتمام بآثار المملكة العربية السعودية يقتصر فقط على آثار ما قبل العصور الإسلامية أو عصر صدر الإسلام فحسب، بل امتد - من خلال العديد من البعثات الأجنبية والسعودية المشتركة - ليشمل آثار عصور ما قبل التاريخ. ويعتبر الاهتمام بدراسات هذه الفترة أمراً مهماً جداً لأنها تبحث عن خطوات الإنسان الأول على الجزيرة العربية لنعرف من خلال نتائجها ماذا حدث خلال هذه الفترة التي لم تدرس من قبل.
وقد دلت الكثير من الاكتشافات الأثرية الحديثة في المملكة على أن خطوات الإنسان الأول امتدت إلى آلاف السنين، وأن الجزيرة العربية كانت عامرة بالخضرة والماء خلال عصور ما قبل التاريخ. ويقوم العلماء حالياً بدراسة الكثير من الآثار التي تم اكتشافها خصوصاً عظمة الإصبع الأوسط والمكتشفة من قبل فريق الجزيرة العربية الخضراء من موقع تل الغضاة شمال شرقي تيماء والتي تدل دراستها على أنها تعود إلى عصر لم يكن معروفاً من قبل وهو عصر الهولوسين. وقد أثبتت الدراسات أن الإنسان في هذه الفترة بدأ في التحول من الحياة البدائية إلى حياة الاستقرار، وأطلق العلماء على إنسان هذا العصر اسم الإنسان العاقل، كما تمّ العثور على عظام متحجرة لفيل الماموث الذي انقرض ولم يعد له وجود، ولكن العثور على مثل تلك العظام يدل على أن الجزيرة العربية كانت عبارة عن منطقة تتمتع بمناخ رطب وظروف مناخية مهيأة ليعيش فيها فيل الماموث في عصور ما قبل التاريخ. ونعرف أيضاً منطقة أخرى بمحافظة وادي الدواسر، وخصوصاً موقع المقر الأثري الذي عثر فيه على أنواع الحيوانات التي يعود تاريخها لفترات العصر الحجري الحديث، وقدّر العلماء هذا التاريخ بنحو تسعة آلاف عام، كما عثر في هذا الموقع أيضاً على آثار تعود إلى العصر الحجري الوسيط. وأخيراً عثر على آثار أخرى في موقع صفاقة الأثري بمحافظة الدوادمي في منطقة الرياض، والذي نفذت به العديد من البعثات أعمال مسوحات أثرية أسفرت نتائجها عن وجود دلالات للجماعات الأشولية قبل نحو 200 ألف عام مضت، وهو ما يعد دليلاً على أحدث المواقع الأشولية في جنوب غربي آسيا. وكشفت نتائج المسح الأثري والأبحاث التي تمت على المكتشفات الأثرية عن تنوع سلوك الإنسان في العالم القديم، الذي حاول أسلافه مقاومة عوائق الطبيعة أثناء هجرته من أفريقيا وانتشاره خارجها.
والجدير بالذكر أن بعض الدراسات الحديثة التي نتجت عن الاكتشافات الأثرية ترجع أن بداية الإنسان كانت في جنوب غربي آسيا، ولكن الجديد هو قيام مجتمع بالجزيرة العربية، وهو نتاج مشروع تعاون علمي مشترك بين هيئة التراث بالمملكة العربية السعودية ومعهد ماكس بلانك الألماني لإجراء أبحاث ودراسات عن الموقع، وقد ألقت هذه الدراسات الضوء على موقع صفاقة بالأخص على سبع طبقات أثرية احتوى بعضها على أدوات حجرية أشولية مصنوعة من أحجار الإندسايت والرايوليت. هذه الدلائل العلمية لا تقبل الشك في أن خطوات الإنسان الأولى بالجزيرة العربية تعود إلى آلاف السنين قبل الميلاد.
- آخر تحديث :
التعليقات