يمكن وصف العلاقة بين الولايات المتحدة وإيران بأنها علاقة غامضة ومثيرة للتساؤلات، وهي مربكة للمحلل والمراقب؛ مرتبكة في ظاهرها منسجمة في جوهرها؛ عدائية في الإعلام سلمية تحت الطاولة. ولا يمكننا الجزم بما إذا كانت هذه الاستراتيجية متفقاً عليها أم إنها تأتي بشكل طبيعي في سياق المصالح السياسية والاقتصادية، وفي ظل حسابات قد نجهلها، وتطلعات قد لا نعرفها.

ولا نريد هنا ممارسة التسرّع في تناولنا لمخرجات العلاقة بين الدولتين، ولا اللجوء إلى نظرية المؤامرة، على الرغم من أن المؤامرة بمعانيها المختلفة هي جزء أصيل من العمل الدبلوماسي والعلاقات بين الدول، بصفتها تهتم بالمصالح والتحالفات، وهذه الأخيرة تتم دائماً على حساب دولة ما، فلا توجد تحالفات حسنة النية، كما يقول لنا التاريخ.

لقد وصلت العلاقات الأمريكية الإيرانية ذروتها العدائية في عهد الرئيس دونالد ترامب، واعتقد المراقبون في لحظة ما، أن الحرب مشتعلة بشكل لا ريب فيه بين الدولتين، لكن عهد ترامب انتهى برداً وسلاماً على إيران، ولم تُطلق قذيفة واحدة، إلا إذا اعتبرنا غارات الطائرات الإسرائيلية المقاتلة على مواقع إيرانية في سوريا كانت تنفيذاً للتهديدات «الترامبية»، لكن من المعروف أن الولايات المتحدة لا تخوض حرباً بالوكالة، كما تفعل إيران.

وخلاصة القول إن الحرب لم تندلع، وفي ظل إدارة الرئيس الأمريكي الجديد بايدن، تسير الأمور بسلاسة، وها هي قد تؤدي إلى نتائج إيجابية، كما صرّح الرئيس الإيراني د. حسن روحاني، حين قال إن المفاوضات حول ملف طهران النووي في فيينا تشهد مراحلها النهائية. وقال بالحرف الواحد: «ليعلم شعبنا أن الحظر سيرفع والولايات المتحدة مضطرة لرفعه، وقد جاءت إلى طاولة المفاوضات، وإن أغلبية القضايا تم حلها وتسويتها وبقي عدد من القضايا التي سيتم أيضاً حلها وتسويتها، وسيجري كسر الحظر، وبإمكان شعبنا أن يشهد ظروفاً أفضل».

وفي السياق ذاته، نقلت وكالة «رويترز» عن مسؤول أمريكي أن الولايات المتحدة رفعت العقوبات عن ثلاثة مسؤولين إيرانيين، هم أحمد غالباني مدير إداري في الشركة الوطنية للنفط، وفرزد بازارجان المسؤول بشركة انترتريد في هونج كونج، ومحمد مويني المدير التجاري في شركة نفتيران إنترتريد. كما أن بعض العقوبات رُفعت عن شركة «سي شارمنج المحدودة للشحن»، و«أوشين لإدارة الشحن» في شانجهاي.

ويحق لنا أن نعتقد أن المفاوضات الجادة بين الولايات المتحدة وإيران كانت تجري على قدم وساق قبل أن يغادر دونالد ترامب البيت الأبيض، وواصل خلفه بايدن النهج بجدية أكثر حتى ظهرت بوادر التوصل إلى اتفاق، وهذا إن تحقّق، ستضطر معه الولايات المتحدة للإفراج عن مليارات الدولارات، وترفع العقوبات وكافة أنواع الحظر ومن بينها تصدير النفط، وإعادة العلاقات التجارية بين البلدين، وبين إيران والدول التي مُنعت من ذلك، وستعود إيران ربما أقوى للساحة الدولية، من دون أن يتغيّر سلوكها الذي تطالب به أمريكا، وهذا السلوك يتعلق بدعم جماعات في المنطقة العربية موالية لها.

هل هناك تنسيق ما بين الولايات المتحدة الأمريكية والجمهورية الإسلامية الإيرانية في ما يتعلق بملفات الشرق الأوسط؟، لا سيما ملفات الخليج ولبنان وإسرائيل، وهل هناك اتفاق ضمني على تكتيكات العداء والسلم بين البلدين؟، خاصة أن الولايات المتحدة تعلم الانعكاس الإيجابي للاتفاق النووي على أذرع إيران العسكرية والسياسية. ليس بإمكاننا الجزم، لكن ما يجري يدعو للريبة والتساؤل