في كل مرة أقرأ خبراً أو متابعة عن مهرجان «أصيلة» أستعيد تلك اللحظات التي أستمع فيها إلى صوت محمد بن عيسى، أمين عام مؤسسة منتدى أصيلة، يسير بين ضيوفه مصفقاً معلناً بداية جلسة جديدة من جلسات الحوار الحر المستمر منذ أكثر من 40 عاماً.

وفي كل مرة أستعيد حلم بن عيسى الذي حكاه في افتتاح الموسم الأول، عام 1978، أن يرى مولوده (منتداه) وقد وصل إلى سنوات كثيرة، بعد أن عاد إليها محملاً بتعليم وعمل في الخارج، حيث شغل منصب سفير بلاده المغرب في الأمم المتحدة وواشنطن، ثم صار وزيراً للثقافة ثم للخارجية. اختار بن عيسى التحدي وترشح لانتخابات البلدية ونجح فيها، وبدأ مشروعه الذي أحيا به بلداً من العدم بفكرة شديدة التميز والتجدد، وإيمان منه بأهل بلدته، وبصدق رؤية ونية.

قليلة هي الملتقيات الثقافية في وطننا العربي، والتي على قلتها صارت مؤثرة بشكل كبير في الحضور والمتابعين، على السواء. ومن بين تلك الملتقيات، ملتقى أصيلة، الذي كان لي الحظ أن أشارك في عددٍ من مواسمه السابقة، والتي أستعيد ذكرياتها كلما أردت أن أضرب مثلاً بمدينة مغربية منسية غارقة في فقر كبير، بين بنى تحتية متهالكة وموارد مهدرة وطاقات معطلة، تحولت بفضل منتدى ثقافي إلى مدينة صارت علامة مضيئة في المغرب، والمنطقة العربية كلها.

مؤخراً قرأت عن إسدال الستار على الدورة الصيفية لموسم أصيلة الثقافي الدولي الثاني والأربعين، والتي نظمت تحت رعاية العاهل المغربي الملك محمد السادس، وخصصت هذه الدورة للفنون التشكيلية، على أن تُعقد الفترة الثانية (دورة الخريف) ما بين 22 أكتوبر و12 نوفمبر المقبلين، حيث تستضيف خلالها جامعة المعتمد بن عباد ثلاث ندوات رئيسية، عناوينها: أي مستقبل للديمقراطيات الانتخابية؟ والمغرب والساحل: شراكة حتمية، والعرب والمتغيرات الإقليمية والدولية الجديدة: إلى أين تتجه القومية العربية؟

وسيشارك في هذه الندوات مفكرون وخبراء من دول العالم، وسيشمل النشاط أيضاً تكريمات لعدد من أصحاب الإسهامات الإعلامية والأدبية في العالم العربي.

إن تجربة منتدى أصيلة وجهود ابن عيسى التي وضعها على خريطة الثقافة والسياحة والإبداع في العالم العربي، جديرة بأن تُستذكر دوماً، وجديرة بأن تُدرس لتكرارها في مدن أخرى على مستوى الوطن العربي.