«استيقظت من حلم جميل، ومشاهد لم أرها في حياتي، وكأني في ليلة من ليالي ألف ليلة وليلة، حيث يتعانق البحر والأرض والسماء في جو رومانسي مبدع، وفصل خريفي لا مثيل له في العالم».

بهذا يُصدِّر أحمد أبو سيدو كتابه (صلالة فردوس الخليج)، واصفاً رحلته إلى صلالة قلب محافظة ظفار في سلطنة عُمان؛ حيث وصف السهول والجبال والهضاب والعيون المائية، متنقلاً منها إلى الأضرحة، والمعالم الأثرية المختلفة، حتى خلُص إلى أن صلالة تتميز عن غيرها بـ(حضور تاريخي هائل)، و(موقع جغرافي فريد)، و(إطلالة عصرية لنهضة عمانية شاملة) على حد تعبيره.

لقد اكتسبت ظفار أهمية حضارية وثقافية بسبب موقعها وجيولوجيتها ونظامها الحيوي المتنوع، وتفرد مناخها؛ فهي كنز طبيعي تميز بتكوينات صنع منها الإنسان العماني أنظمته الاجتماعية والثقافية، تشهد على ذلك الكثير من الشواهد التاريخية في منطقة الأحقاف، ومدينة البليد، وميناء سمهرم التاريخي، والقلاع (قلعة حمران في صلالة، وفي حاسك، والمحلة في مدينة سدح)، وقد كتب عنها العديد من المؤرخين أمثال ياقوت الحموي، وابن بطوطة الذي وصف موقعها وصفات أهلها وأهم معالمها الحضارية كمنازل عاد وثمود وقبر النبي هود.

كما ارتبط اسم ظفار منذ القدم بشجرة اللبان منذ (أسفار العهد القديم)، ويُعد اللبان أحد أهم ثروات المحافظة التي عُرفت منذ آلاف السنين من الناحية الاقتصادية والثقافية؛ فإضافة إلى إنتاجه وتصديره إلى العديد من بلدان العالم، تم استثمار هذه الثروة في العديد من الصناعات أبرزها (صناعة العطور، والبخور، والأدوية، ومستحضرات التجميل وغيرها)، واستخدامه في المجالات الدينية؛ حيث تذكر المصادر كيف أن صمغه كان يُدفن في المعابد وكيف أن الفراعنة استعملوه في تحنيط الموتى، بالإضافة إلى استخدامه بخوراً في الكنس والكنائس وحتى في المساجد بغرض طرد الأرواح الشريرة أو التعقيم، وفي ذلك فإن التراث الثقافي العماني يروي لنا الكثير من الحكايات والأساطير عن استخدامات اللبان الروحية، إضافة إلى ما ذُكر في التاريخ من استخدام الأنبياء والمرسلين للبان، ولهذا فقد عُرفت ظفار منذ القدم بـ(أرض اللبان).

تُعد ظفار كنزاً ثقافياً ليس فقط لأهميتها التاريخية من حيث موقعها وعلاقاتها الحضارية الممتدة وحسب، بل أيضاً باعتبارها أرض اللغة العربية القديمة؛ فهي الكنز اللغوي الذي يحوي مجموعة من اللغات المحكية كالبطحرية، والشحرية، والمهرية، والهبيوتية؛ والتي تُعد من اللغات العربية القديمة التي حفظتها ألسنة المجتمع في ظفار.