لم يكن في نية الفنان المغدور «جمال بن إسماعيل» في الجزائر أو «جيمي» أن ينتحل شخصية برومثيوس ويسرق النار المقدسة بأمان، من جبل الأولمب، ويمنحها هدية للبشرية، فالنار كانت قد تحولت إلى قيامة، وكان زوس قد هاج فربط برومثيوس على جبل كوكاز وترك النسر يخترق كبده.
لم يكن نصف إله، روحه في كاحله، لا يعرف مكانها إلا العارف بالأساطير والحروب، كان يحمل روحه في كفه المليئة بالرغبة في تلمس آلام الناس، وتحسّس جراحاتهم، وفي إطفاء النار.
في ذلك الصباح الأخير، شرب قهوته بسرعة، وضع لوحته الأخيرة المعشقة بألوان الحياة وملامس فون غوخ، التي لم ينته منها، في الزاوية أخفى قيثارته، مملكته الصغيرة، في زاوية مؤمنة وخرج حاملاً جرابه الصغير الذي لا يوجد فيه شيء آخر سوى قليل من أدوية الحروق التي اشتراها من أقرب صيدلية، من المال الذي استدانه، وبعض الأقلام الملونة لرسم الحرائق. عن قرب، صعب أن نشعر بالنار إذا لم نقترب منها، كل فنان هو في النهاية فراشة النَّار، ثم مشى يُوقف السيارات بالأوتوستوب، نحو قدر لم يتخيله ولم يتصوره أبداً، هو يدرك جيداً خديعات الحياة، لكنه يعرف أيضاً أنه سيد المحبة والخير، وصل منهكاً، لكنه لم يرتح. عندما وجد نفسه في المرتفعات قريباً من ألسنة النار، شعر بالراحة والإعجاب بشباب لا يملكون أية وسيلة للإطفاء إلا أجسادهم الزكية، نفس الأيادي المشقوقة بسبب التعب اليومي والعمل الثقيل لفتح براكين الأرض الحجرية.
تماماً كما في تراجيديات الأولين، لم يعرف أنه من بين إخوته الذين احتضنوه كانت هناك ذئاب تتربص به، رأى بعضها، لكنه تخلى عن خوفه، لأن الذي قاده إلى المكان لم يكن إلا تقاسم الحزن الثقيل الذي أصبح لا يطاق.
ثم مشى في الصفوف الأولى التي اقترب من النار، هل كان فراشة تريد الاحتراق؟ غام داخل الأدخنة مستجيباً للأصوات التي كانت تأتي من بعيد، وقف يستمع إلى مصدر النداء لإنقاذه لأن الصرخة كانت جافة ويابسة.
كانت الشرطة تبحث عن مضرمي النيران في غابات تيزي وزو وبجاية، رأوه ملتصقاً بشجرة يستمع إلى أعماقها، وضعوه داخل صندوق الحجز في السيارة، مع الدعاية بأن الشرطة ألقت القبض على أحد مضرمي النار في منطقة القبائل، حاول أن يشرح للشرطي من وراء شباك الحجز أنه مصور ومغنّ، وأنهم على خطأ، لكن العقل وقتها كان قد تحجر، والعيون أظلمت، وأصبح الموت الحارق في «ناثيراثن» أقرب إليه من نفسه.
التعليقات