تحتفي مملكة البحرين هذه الأيام بذكرى مرور عشرين عاما على تأسيس المجلس الأعلى للمرأة، وهي مناسبة نستذكر فيها بفخر واعتزاز الإسهامات الجليلة للمرأة البحرينية في شتى، ونهنئ من خلالها صاحبة السمو الملكي الأميرة سبيكة بنت ابراهيم آل خليفة قرينة جلالة الملك المفدى حفظها الله على نجاح جهود سموها من خلال المجلس في نقل المرأة البحرينية إلى فضاء أرحب من العطاء والمساهمة الوطنية.

لقد شهدت المرأة البحرينية في العقدين الأخيرين تقدمًا كبيرًا، وبتنا نراها على رأس الهرم التشريعي في مجلس النواب، وتحضر بقوة في مجلس الشورى، ونراها وزيرة وسفيرة، وفي غرفة التجارة، ومجالس إدارة كبرى الشركات، نراها عداءة في الاولمبياد، وأكاديمية لامعة في أعرق الجامعات، ونراها أيضًا في قمرة قيادة الطائرات، وفي مجالات صناعة الفضاء والتكنولوجيا المالية والطب الجيني وغيرها الكثير.

وبينما يثير فيروس كورونا رعب الكثيرين، وتطلب السلطات من الناس التزام منازلهم، تترك المرأة البحرينية العاملة في القطاع الصحي منزلها وأسرتها لتواجه هذا الفايروس في مكان عملها، غير آبهة بالمخاطر التي قد تترتب على هذه المواجهة، بما في ذلك إمكانية انتقال العدوى لها. كما أنها تضحي بالبقاء بعيدا عن أسرتها حتى وهي داخل منزلها خوفا من حملها للفايروس وإمكانية نقله لأفراد أسرتها، فأي تضحية وأي شجاعة واي انتصار.

وكل من يزور أي مركز صحي للفحص أو التطعيم لا بد أن يرى المرأة البحرينية هناك على أتم الاستعداد والجاهزية لخدمة المراجعين والمرضى، تقف لساعات طويلة تقدم خدماتها بعطاء إنساني فيه صفات الرجولة والأمومة في وقت واحد.

وكم أنا معجب بإصرار البحرين على ألا يكون هناك امتيازات خاصة للمرأة على الرجل وفقًا لما يسمى بنظام «الكوتا»، بل تهيئة الأرضية المواتية لتنافس عادل بين المرأة والرجل، والأجدر بينهما هو من يترقى ويتطور ويفوز، وقد شهدنا بالفعل نماذج عديدة على نجاحات واسعة للمرأة اعتمادًا على ذاتها فقط، لعل أبرزها فوز امرأة برئاسة أعلى سلطة تشريعية في البلاد، مجلس النواب، وحصولها على ثقة الناخبين لدخول المجلس ثم ثقة زملائها النواب لترؤسه، دون أن ننسى أن هذا يدل أيضا على تحضر المجتمع البحريني الذي يعطي صوته للمرشح الأفضل بصرف النظر عن جنسه رجلا كان أو امرأة.

لا بد هنا أيضًا من الإشادة بالرجل البحريني المتحضر، الأب والأخ والزوج والزميل والرئيس والمرؤوس في العمل، الذي يقبل وجود المرأة في الحياة العامة بكل صدر رحب، بل ويبذل كل ما في وسعه لدعمها ودفعها للارتقاء بنفسها علميًا وثقافيًا وعمليًا، ولا يغار من نجاحها، حتى إنني أعرف رجالاً يتقاسمون مع زوجاتهن أعباء المنزل ورعاية الأطفال بفخر، بل ربما يقومون وحدهم بتلك المهام فيما لو انشغلت الزوجة بعمل أو سفر.

فعندما نحرم المرأة من المشاركة في العمل لمجرد أنها امرأة، وتحت أية ذرائع اجتماعية مثل الحفاظ على الشرف والرجولة، أو دينية مثل قول إن صوت المرأة عورة، أو شخصية خوفًا من تفوق المرأة علينا، فإننا نعمل ضد الطبيعية التي بنيت أساسًا على وجود امرأة ورجل يتكاملان مع بعضهما البعض لضمان استمرارية البشرية، فلولا حواء لما استطاع آدم أن يفعل شيئا بمفرده، كما إننا نهدر فرصًا كبيرة في التنمية عندما نعطِّل نصف المجتمع عن العمل والإنجاز.

المرأة البحرينية لم تكن يومًا رهنية العادات والتقاليد والثقافات البالية، بل منذ أيام الغوص عندما كان الرجل يذهب لأشهر في رحلة غوص بعرض البحر، تتولى المرأة خلالها ليس مسؤولية رعاية الأبناء والقيام بالأعباء المنزلية، بل تخرج أيضا للعمل في الزراعة وتذهب للأسواق وتقوم بكل ما يقوم به الرجل من أعمال، وما والسيدات البحرينيات الناجحات اللواتي نراهن اليوم هن أحفاد تلك النساء الشجاعات متفتحات الذهن، المتمسكات بالعادات البحرينية الأصيلة دون أن تحد من قدرتهن على العمل والإنتاج.

وأعتقد أن التجربة البحرينية في دعم المرأة تتميز عن نظيراتها في باقي الدول مثل مصر أو تونس أو سوريا أو لبنان في أن من يقوم عليها ليسوا دعاة تحرر وانسلاخ عن الدين أو الإرث أو العادات الأصيلة، فليست مشاكل المرأة هنا التحرر أو الحجاب أو المساكنة أو الاغتصاب أو العنف أو عدم المساواة في الأجور وغيرها من القضايا المجتمعية التي تشكل مقدمة مطالب المدافعات عن حقوق النساء، فالجميع متفق في البحرين على أن الدور الأساسي للمرأة هو تربية النشء تربية صالحة والحفاظ على الاستقرار الأسري والمجتمعي، جنبًا إلى جنب مع نهوضها بأدوار أخرى في مجالات مثل العمل والإنتاج والابتكار وخدمة المجتمع.

فدور المرأة كأم هو ما خُلِقت لتنهض به، والأم ليست مجرد السيدة التي تحمل وتنجب الأطفال، بل هي التي تربي وتثقف وتوعي وتكبر، وتحرص على صحة أولادها النفسية والفكرية والجسدية، وتضمن صلاحهم لبناء مستقبل أفضل لهم ولوطنهم، وهو دور لا يستطيع الرجل مهما كان أن يقوم به كما تقوم به المرأة، فالأم المثقفة تخلق جيلاً مثقفًا فاعلاً معطاءً، أما الأم الجاهلة فتخلق جيلاً منغلقًا هدَّامًا يودي بنفسه وبمجتمعه ووطنه في الهاوية، لذلك أقول إن المرأة نصف الحاضر وكل المستقبل.

دور المرأة العاملة مهمة جدا أيضًا، حيث إن عمل المرأة يسهم في تحسين المستوى المالي والوضع الاجتماعي لها ولأسرتها، لهذا يجب توفير بيئة عمل داعمة للمرأة وتراعي خصوصيتها، بما في ذلك توفير بيئة عمل إيجابية متقبلة وداعمة للمرأة، وحظر تشغيل النساء في المهن والأعمال الصناعية التي تعرضهن إلى الأخطار والأضرار، وتوفير حراسات أمنية كافية أو نظام أمني إلكتروني مناسب لكل المنشآت المشغلة للنساء، وتوفير أطر لحماية النساء من التحرش، وغير ذلك.

نحن مطمئنون إلى مسيرة تقدم المرأة البحرينية، وفخورون بما حققته المرأة البحرينية من إنجازات تعكس التنوع الحضاري والثقافي العريق في البحرين، ونطلع معا إلى مستقبل مزدهر تنعم فيه بناتنا وننعم جميعا بمزيد من التنمية والازدهار.

*رئيس مجلس إدارة مجموعة بروموسِفِن القابضة