على بعد ثلاثة أسابيع تلتئم في مدينة نيويورك الأميركية، أعمال الجمعية العمومية للأمم المتحدة، في اجتماعها السنوي، والذي يشارك فيه زعماء ورؤساء العالم ومن 192 دولة، لمناقشة أهم القضايا الحياتية المؤثرة على إنضباط شؤون البشرية.

لا تبدو الولايات المتحدة الأميركية، أرض المقر، مرحبة بغالبية الضيوف من أنحاء المسكونة هذه المرة، والسبب هو الخوف من أن تكون لقاءات الجمعية منطلقا لتفشي المزيد من فيروس كوفيد-19 في صولاته وجولاته مع الأميركيين، والتي لا يبدو أنها ستنتهي عما قريب، ولهذا دعت مذكرة من البعثة الأميركية أرسلت إلى 192 دولة عضو أخرى في الأمم المتحدة إلى أن تكون جميع الاجتماعات افتراضية.

على أنه ومهما يكن من أمر المشاركة، وسواء كانت واقعية بالحضور، أو افتراضية بالكلمات المسجلة أو تقنيات التواصل عن بُعد، فإن اللقاء هذا العام يعد مهماً إلى درجة كبيرة لأسباب عدة لا تُخفى عن أحد.

في المقدمة المواجهة العالمية مع فيروس شائه أزعج الخليقة ولا يزال، وقد كان انتشاره في حاجة إلى قمة دولية قائمة بذاتها لوضع حد له، غير أن المنظمة الدولية أخفقت في أن تترك أثراً واضحاً في طريق المكافحة، الأمر الذي يرجح الآراء الداعية إلى نهاية هذا الكيان بشكله العملاق، لا سيما وأن رجلاه من فخار وليسا من نحاس، والاستعاضة عنه بمجموعة مؤسسات دولية أصغر حجماً وأكثر فاعلية.

تأتي جمعية هذا العام وقد تركت الجائحة من ورائها أزمات اقتصادية عميقة خيمت على العديد من دول العالم، وتركت أخاديد عميقة في الجماعة البشرية، حكما ستتجلى ملامحها ومعالمها في السنوات القادمة، الأمر الذي يستدعي التحضر له، ومحاولة تجنب آثاره الكارثية. على مقربة من موعد الجمعية العمومية، فجرت الولايات المتحدة الأميركية مفاجأتها الكبرى بانسحابها من أفغانستان، الأمر الذي يمكن أن تنجم عنه حالة من حالات السيولة الجيواستراتيجية في شرق آسيا، قلب العالم الجديد، وتبقى المخاوف شاهدة أمام الأبصار بعد عودة تنظيم طالبان إلى الحكم مرة جديدة، وبخاصة في ظل امتلاكه أسلحة أميركية متقدمة يكفي ما هو معلن عنها لبناء جيش لدولة صغيرة، أما غير المعلن فيثير مخاوف الجيران بشكل مفزع.

يبدو العالم في العام الأول من العقد الثالث للقرن الحادي والعشرين منحدراً نحو فوضى سياسية من غير أدنى شك، فيما الكارثة الكبرى التي تنتظر الجميع خلف الباب تتمثل في التغيرات المناخية التي يتعرض لها كوكب الأرض، إذ شهدت قارات العالم ظواهر طبيعية غير اعتيادية هذا الصيف، وقد بلغ الأمر حد سقوط أمطار على الغطاء الجليدي لجرينلاند للمرة الأولى منذ آلاف السنين، عطفاً على اكتشاف علماء الجيولوجيا قنبلة حرارية تحت أخطر جليد في العالم، ما يعني أن عالمنا المعاصر بات مهدداً بالغرق.

يلتئم شمل قادة العالم إما بالحضور الشخصي، أو بالتواصل التكنولوجي بأشكاله المختلفة والعالم برمته، وليس الولايات المتحدة فحسب، يعيش ذكرى مرور عشرين سنة على أكبر حدث إرهابي في العصور الحديثة، أي اعتداءات «القاعدة» في نيويورك وواشنطن، والتساؤل المفتوح هل نجحت البشرية في حربها ضد الإرهاب أم أخفقت ولماذا ؟ في كل الأحوال تبدو جمعية عمومية غير تقليدية، ويجب الانتباه إلى مقرراتها ومقدراتها.