تحدثنا في مقال سابق عن نية الرئيس الفلبيني الحالي رودريغو دوتيرتي، الذي لا يحق له، بحكم الدستور، خوض الانتخابات الرئاسية المقبلة المقرر اجراؤها العام المقبل، البقاء في السلطة من خلال توليفة ذكية مضمونها دفع ابنته سارة دوتيرتي للترشح للرئاسة على أن يكون هو المرشح لمنصب نائب الرئيس على بطاقتها الانتخابية.

غير أن الأسابيع القليلة الماضية شهدت تطورات متسارعة، تبين معها أن نوايا دوتيرتي وخططه لن تكون سهلة التنفيذ، خصوصا بعدما كشف العديد من الشخصيات السياسية عن حلمها في الوصول إلى قصر مالاكانيانغ الرئاسي، متحدية أحلام دوتيرتي لجهة حكم البلاد بصورة غير مباشرة من خلال ابنته.

والحقيقة أن كل المؤشرات تفيد الآن بأن انتخابات 2022 الرئاسية ستكون ساخنة، بل قد تسودها فوضى واضطرابات تؤثر على أمن واستقرار الفلبين، وبما يجعل مشاكلها المزمنة أكثر تعقيدا واستفحالا.

نقول هذا على ضوء قرار مفاجيء اتخذه مؤخرا «فرديناند ماركوس جونيور» (64 عاما) بخوض السباق الرئاسي القادم. والأخير، الشهير باسم «بونغ بونغ»، هو الابن الوحيد لديكتاتور البلاد السابق «فرديناند ماركوس» الذي أطيح به عام 1986 في ثورة شعبية عارمة. أما مصدر القلق من قرار «بونغ بونغ» هذا فلا يقتصر فقط على الموارد الهائلة وشبكة الحلفاء وآلة الدعاية القوية التي يمتلكها والتي تجعله المرشح الأوفر حظا، وإنما يُضاف إلى ذلك حنين فلبينيين كثر إلى زمن والده الديكتاتور، الذي تميز، رغم كل مساوئه، بالاستقرار والانضباط وبعض الانجازات الاقتصادية، وشعورهم بالاحباط من الانظمة الديمقراطية التي خلفت نظام ماركوس على مدى السنوات الخمس والثلاثين الماضية، ولم تحقق أي رخاء وازدهار اقتصادي. ويبدو أن «بونغ بونغ» استشعر هذا الاحباط، وقرر استثماره في خططه وأحلامه الرئاسية، بدليل ما قاله في بيان ترشحه حول ضرورة أن يتوحد كل الشعب الفلبيني خلفه من أجل اخراج الأمة من أزماتها الكثيرة والبدء في حياة جديدة.

قرار «بونغ بونغ» قرع الأجراس، ليس في أوساط الرئيس دوتيرتي وأنصاره فحسب، وانما أيضا في أوساط المعارضة الليبرالية التي تكن عداء شديدا لآل ماركوس، وقد تجلى ذلك في مسارعة نائبة رئيس الجمهورية «ماريا ليونور روبريدو» الشهيرة باسم «ليني» إلى الاعلان رسميا عن ترشحها لخوض السباق الرئاسي، من خلال بيان تعهدت فيه بالقضاء على «السياسات القديمة والسياسات الفاسدة» حسب قولها. وبهذا التصريح وجهت «ليني»، الزعيمة الفعلية للمعارضة ورئيسة الحزب الليبرالي، ضربة مكشوفة لمعسكر رئيسها دوتيرتي (ممثل السياسات الفاسدة) ولمعسكر المرشح ماركوس (ممثل السياسات القديمة).

وفي الوقت نفسه، وشعورا منهما بخطورة الوضع واحتدام التنافس مبكرا في حلبة السباق الرئاسي، أعلن كل من عمدة مانيلا «فرانسيسكو مورينو» الشهير باسم «إيسكو»، والملاكم «إيمانويل باكياو» الشهير باسم «ماني» تحديهما لكل من بونغ بونغ وليني، وأيضا تحديهما لبطاقة «دوتيرتي ــ دوتيرتي» التي كانت حتى شهر يونيو الماضي تتصدر استطلاعات الرأي بقوة، قبل أن يخفت بريقها، ويصبح مستقبلها مجهولا.

وتقف عوامل عدة خلف خفوت بريق فكرة ترشح سارة دوتيرتي للرئاسة وترشح والدها لنيابة الرئاسية. فمن ناحية أولى صبت الخلافات داخل معسكر آل دوتيرتي وفضائح الفساد داخل الهيئات الحكومية الكبرى التي يسيطرون عليها في صالح المنافسين والخصوم. ومن ناحية ثانية فقدت سارة دوتيرتي حماسها وتدهورت روحها المعنوية بعد أن نجح «بونغ بونغ» في تعزيز قاعدته الشعبية في أوساط اليمين المحافظ التي كانت سارة تراهن عليها، ولعل ما ضاعف خيبة أملها هو شعورها بفقدان الدعم القوي في مسقط رأسها ومعقل أسرتها بجزيرة ميندناو الجنوبية، بعدما نزل المرشح «ماني»، وهو أيضا من أبناء ميندناو، إلى حلبة السباق شاهرا أجندة صارمة لمكافحة الفساد. ومن ناحية ثالثة شكل قيام إئتلاف «سامبيان»، الذي يضم شخصيات قانونية وقضائية بارزة، بتأييد النائبة الحالية لرئيس الجمهورية «ليني» كمرشحة للرئاسة ضربة أخرى لآل دوتيرتي، خصوصا وأن «ليني» ألزمت نفسها بأن تنهي عهد الرئيس دوتيرتي «الكارثي» على حد وصفها.

وإذا ما سارت الأمور على هذا النحو حتى تاريخ الانتخابات في مايو 2022، فإن فرضية المواجهة بين «ليني روبريدو» و«بونغ بونغ ماركوس» كأقوى مرشحين رئاسيين ستكون هي الثانية بينهما. ذلك أنهما تنافسا في انتخابات 2016 على منصب نائب الرئيس ففازت الأولى بفارق ضئيل لم يتعد 0.64 بالمائة من الأصوات. ووقتها طعن ماركوس في خسارته أمام المحكمة العليا، لكن دون جدوى.