تشكو الأسواق العالمية في هذه الأيام من ارتفاعات ملحوظة في أسعار السلع والخدمات بسبب ارتفاع معدلات التضخم وعوامل أخرى، ورغم أن الأحاديث عن هذه الظاهرة السلبية تتزايد كثيرا في جميع أروقة الاقتصاد الدولي والتجارة الدولية، بل إن هناك تقارير اقتصادية صادرة عن كبرى مراكز الأبحاث تشير إلى أن العالم يعاني ارتفاعات حادة في أسعار السلع والخدمات نتيجة زيادة ملحوظة في أسعار الطاقة، رغم كل ذلك فإن منظمة التجارة العالمية ما زالت تبتعد عن الخوض في أمور التجارة الدولية والاقتصاد الدولي، وكأن الأمر لا يعنيها كثيرا.
وقبل ذلك كان أنصار المنظمة يقولون إن منظمة التجارة العالمية ستعالج كل الأزمات التي تعانيها التجارة الدولية، وسيشهد عالمنا الاقتصادي على يديها ازدهارا ورواجا لا مثيل له في كل أطوار التاريخ.
وإزاء ذلك كانت كل دول العالم تبذل جهدا مضنيا للظفر بالانضمام إلى عضوية المنظمة، ولكن اليوم لا أحد يقول إنه يرغب في الانضمام إلى هذه المنظمة، بل إن المنظمة نفسها لم تعد حريصة على القيام بالدعاية لها، وضم مزيد من الدول إلى عضويتها.
وأذكر أن السعودية في الماضي كانت حريصة على الانضمام للاستفادة من ميزات الانضمام باعتبارها دولة نفطية ذات أهمية اقتصادية كبرى، وكذلك لإتاحة الاقتصاد السعودي مزيدا من فرص النمو من خلال الانضمام إلى عضوية المنظمة والمشاركة في بناء اقتصاد دولي جديد باعتبارها دولة ذات أهمية اقتصادية استراتيجية.
ومضت ثلاثة عقود ولم تستفد معظم الدول من هذه المنظمة، وقد بدأ غياب منظمة التجارة العالمية عن الأحداث منذ أن أصيب النظام المالي العالمي في سبتمبر 2008 بضربة قاضية وشلل في كل أطرافه. ونتيجة لهذا الانهيار امتدت عدوى المرض إلى اقتصادات جميع دول العالم، وقد أصيبت اقتصادات الدول بجلطات وسكتات تسببت في خسائر فادحة في المال والأعمال.
وكلنا يذكر أن تلك الكارثة المالية كانت اختبارا صعبا لمنظمة التجارة العالمية التي وقفت أمام المشكلة كالمتفرج الذي لا حول له ولا طول.
وهنا أعود مرة أخرى وأطرح سلسلة من الأسئلة وهي: أين منظمة التجارة العالمية من أزمة وشيكة يتعرض لها الاقتصاد الدولي وتتمثل في ارتفاعات ملحوظة في أسعار السلع والخدمات؟ ولماذا لم يكن لها دور في مواجهة هذه الأزمة العالمية الوشيكة؟ ولماذا اختارت أن تتوارى عن الأنظار؟ وأين وعود المنظمة التي قالت إنها ستضاعف من معدلات التبادل التجاري بين الدول الأعضاء، وإنها ستنعش اقتصادات كل الدول الأعضاء؟ ولا بد من إعادة أهمية دور المنظمة من أجل زيادة معدلات التنمية في كل الدول الأعضاء في المنظمة، بل في الاقتصاد الدولي بحجمه العالمي اللامحدود.
إن منظمة التجارة العالمية تبنت نظريات اقتصادية واشترطت على كل الدول الأعضاء الالتزام بتطبيق هذه النظريات كشرط لقبولها في العضوية، الأكثر من هذا نجحت المنظمة في تشجيع الدول الأعضاء على سن قوانين وأنظمة تصب في خانة تخفيف دور الحكومات في إدارة اقتصادها الوطني، وتمكين المنظمة من التأثير في اقتصادات الدول الأعضاء.
وفي إطار الدور الذي كانت منظمة التجارة تلعبه فقد نجحت في مشروع العولمة الاقتصادية والسوق العالمية المفتوحة على قرية كونية واحدة ورفعت شعار "دعه يعمل دعه يمر"، وهو شعار لآدم سميث أب الاقتصاد الرأسمالي، وحجة المنظمة في ذلك أن نظرية السوق تحمل في طياتها آليات تصحيح أوضاعها دون أي تدخل من الحكومات في الشأن الاقتصادي المحلي.
أرجو من الدول الأعضاء في المنظمة الاهتمام بضرورة تقديم مقترحات للقائمين على أمر المنظمة حتى تقوم بأدوار إيجابية لحماية النظام الاقتصادي الدولي من مخاطر موجات تضخمية تتهدد مسيرة الاقتصاد الدولي، وتعرض الاقتصاد الدولي لأزمة مالية صعبة ومؤلمة.
إن الاقتصاد الدولي وهو يعاني موجة تضخمية جديدة أحوج ما يكون إلى قيام منظمة التجارة العالمية بدور إيجابي من أجل تحقيق التوازن بين العرض والطلب في الأسواق العالمية، وإذا تحقق التوازن فسيفرض كلمته في أسواق بدأت تعاني أزمات متلاحقة، وأخطرها زيادة الأسعار من دون مبررات موضوعية.
ونؤكد أن الاقتصاد الدولي في هذه الأيام في أمس الحاجة إلى منظمة التجارة الدولية كي تقوم بأدوارها الإيجابية المتمثلة في تكريس النشاط وحماية التجارة الدولية من المعوقات التي تحول بينها وبين زيادة معدلات التبادل التجاري بين دول العالم أجمع.
- آخر تحديث :
التعليقات