أعمال قليلة أشارت إلى تمثيلات ثقافية لنهاية العالم، من تغيرات مناخية وأخطار نووية وصناعية، وسواء بنيت على آراء علمية لمؤرخين وعلماء أنثروبولوجيا أو فلاسفة أو اقتصاديين فإنها جميعها تندرج ضمن ما يسمى أدب الخيال العلمي.

قصص نهاية العالم في الأدب والفنون لفترة طويلة شهدت انتشاراً حقيقياً في القرنين التاسع عشر والعشرين، وصوّرت نهاية العالم وفق حدوث كوارث مفاجئة مثل الزلازل وانفجار البراكين وانتشار الأوبئة وظهور سلالات "الزّومبيز" الآكلة للحوم البشر، إلى غيرها من الأسباب المرعبة التي بنيت عليها تلك القصص.

مؤخراً وفي ظرف قياسي حقق الفيلم الخيالي "لا تنظر إلى فوق" لآدم ماكاي بطولة ليوناردو دي كابريو وميريل ستريب وجينيفر لورنس أعلى نسة مشاهدات في أكثر من مئة بلد، واعتبره البعض ظاهرة الموسم، ليس فقط بسبب النجاح الجماهيري الذي حقّقه بل بسبب الانقسام الحاد بين نقّاده، فقد اعتبره البعض فيلماً سخيفاً لا يرقى لمستوى الأسماء الكبيرة التي مثلته، فيما اعتبره البعض الآخر لوحة مكتملة وواضحة تعكس الوضع الذي آل إليه الإنسان فوق هذا الكوكب.

هو كوميديا سوداء مرعبة تذكّرنا بأفلام أخرى، لكنها تلامس أكثر الأزمة التي يعيشها الإنسان اليوم أمام انحراف وسائل الإعلام نحو التفاهة، وانشغال الطبقة السياسية بحشد الجماهير للبقاء في السلطة مع تحالف واضح مع رجال الأعمال الذين لا يهمهم سوى زيادة أرباحهم حتى وإن كان ذلك على حساب الناس.

الفيلم هجاء قوي للمجتمع، وفي مقال نشر في صحيفة الغارديان أطلق عالم المناخ والمؤلّف "بيتر كالموس" تصريحاً يقول فيه "إن هذا الفيلم هو الأكثر دقّة عن عدم استجابة المجتمع المرعبة لتدهور المناخ الذي يقتل الكوكب".

وفي الحقيقة فإنّ فيلماً من هذا الحجم من غير العدل تقييمه من خلال علامته على موقع "الطماطم الفاسدة" على سبيل المثال لأنه جزء من حملة توعية يعتبر ليوناردو ديكابريو أحد أهم ناشطيها، ومموليها.

إن الرسالة الأهم التي يحملها الفيلم هي أن نهاية العالم لن تكون بسبب خارجي بشكل مباشر، بل بسبب الإنسان الذي لا يبالي بالدفاع عن الجنة التي يمتلكها الآن.

على الذين وصفوا الفيلم بالتافه أن يتذكروا كيف دُفن سكان بومبي البالغ عددهم خمسة عشر ألفاً تحت رماد فيزوف، وتم القضاء على ثلث سكان أوروبا بسبب الطاعون الأسود بين عامي 1347 و1353، فيما قضى مواطنو هيروشيما وناجازاكي بانفجار قنبلة ذرية، لا حاجة للخيال لتمثيل هذه المآسي، لكن لنتذكر معاً أن العمل المرجعي لقصص نهاية العالم كان بعنوان "الرجل الأخير" لماري شيلي وللأسف كانت أول رواية صنّفها النقاد على أنها سيئة السمعة.

يؤمن البشر بنهاية العالم، لكنهم يعتقدون أنها قد تحدث في غير زمانهم، وأن التطوّر التكنولوجي لن يسمح للبشرية للعودة للعصر البدائي، أو الانقراض. قمة التناقض!