خلال أيام قليلة رفعت الشارقة علم الإمارات في بولونيا الإيطالية والجزائر ولندن. رفرف العلم عالياً ليحمل للعالم رسالة إماراتية جديدة: نحن دولة ثقافة ومعرفة وعلم. رفرف العلم خفّاقاً في قارتين ووسط ثلاث ثقافات، ليقول: نحن أبناء الكتاب نحاور الجميع بلغة الفكر.
خلال أيام قليلة حققت الشارقة والإمارات منجزات لافتة، ففي بولونيا ولندن كانت إمارة الثقافة ضيف الشرف الأول على المعرضين، وفي ذلك رسالة أخرى وأكثر من مغزى ودلالة.
خلال أيام قليلة حصدنا جميعاً جزءاً من ثمار مشروع صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة.. حصاد لا يقتصر على الشارقة أو الإمارات فحسب، لكنه مكسب لكل العرب من الماء إلى الماء.
هي مجرد أيام بعمر الزمن، لكنها للمتابع والمتأمل نتيجة طبيعية لسنوات طويلة من العمل والجد والدأب، هي ترجمة لمشوار صاحب رؤية فارقة تقرأ المقبل، وتؤمن بدور الثقافة في الحوار بين الشعوب والتقارب بين الأمم.. قائد لم يدخر جهداً في العناية بالكتاب ورعايته ومتابعة تفاصيله، قدم لنا جميعاً نموذجاً يستحق أن نفكر فيه.
نموذج لم يتوقف عند دعم الكتاب فقط، ولكن عدّه بمنزلة ابنه، نعم الكتاب ابن سلطان وذلك ما طبقه أولاً في أسرته القريبة، فجميع أفراد أسرته مهتمون أو مهمومون، لا فارق في دائرة عشق الكتاب، بالثقافة والمعرفة، ولا يدخرون جهداً في الارتقاء بها ورفع شأنها، بداية من رفيقة الدرب سمو الشيخة جواهر بنت محمد القاسمي، ومروراً بالشيخة بدور والشيخة حور.
منذ مدة قليلة قرأت كتاب سمو الشيخة جواهر «رسائل جوهرية»، واستمتعت بتلك الومضات الحكيمة التي تهتم بالإنسان، ومضات تؤكد أن الكتاب يتربع في قلب هذه الأسرة بعد أن دخل عقلها.
رسّخ الأب رب الأسرة المثقفة، أو أبو الكتاب، لا فارق هنا أيضاً، فالكتاب في أسرة سلطان أحد أفرادها الأعزاء عشق القراءة لأسرته، فالشيخة بدور عندما روت منذ سنوات حكايتها مع تأسيس دار «كلمات» كانت مثل كل الأمهات، تقرأ لأطفالها قبل النوم فلم تجد في المحتوى العربي ما يمكن أن تقصه لهم، ففكرت في إطلاق تلك الدار حتى توفر لكل الأمهات محتوى عربياً جيداً يصلح للأطفال. أما الشيخة حور فعشقها للفنون لا ينتهي، والفنون هي كتاب مرئي مفتوح، تمتلك تأثيراً لا يقل أهمية عن الكلمة المكتوبة، وترتقي بالذائقة الجمالية والإبداعية.
حلم الشيخ سلطان أن يضع بنفسه الكتاب في كل يد، ليس لأبنائه من سكان الشارقة أو الإمارات فحسب، ولكن في كل يد عربية، في الشارقة أسس مشروع «ثقافة بلا حدود» لتوزيع الكتب على كل أسرة، ولا يخلو حديث له من إشارات عن حب الكتب وأهمية القراءة، وفي العالم العربي أسس بيوتاً للشعر ومهرجانات للمسرح، وقدم الدعم لمختلف أوجه الثقافة، وحمل على عاتقه الوصول بالعرب إلى العالمية، فأصبحنا نرى اسم الشارقة وعلم الإمارات في جهات الأرض المختلفة.
نحن أمام رجل مؤمن بالكتاب وبالكلمة، مؤمن أن الكتاب يستطيع تحقيق المعجزات في الوعي وتغيير المجتمعات نحو الأفضل، وتحسين صورة العرب واستعادة زمام المبادرة والقدرة على الانخراط في الحضارة مرة أخرى، وأن تكون المدن العربية واحات عالمية للمعرفة، فلا نهاية لما يستطيع أن يحققه الكتاب من فوائد.
في بولونيا أو لندن لا يمكن لكل عربي إلا أن يشعر بالفرح والفخر، الفرح في إقبال الجميع على التعرف من قرب إلى الثقافة العربية، والفخر بهذا الإنجاز الضخم، وبعد أن تهدأ تلك المشاعر الفياضة يأتي دور الدرس واستخلاص النتائج، التي تؤكد أننا كما استطعنا أن نُبهر العالم وأن نقول له نحن هنا على خريطة المعرفة، نستطيع أن نكون شركاء في صناعة هذه المعرفة، عبر دراسة مشروع سلطان القاسمي دراسة علمية ومعرفة ما حققه من نتائج مبهرة والبناء عليها، وإعلاء شأن الكتاب والثقافة في كل مكان: مناهج التعليم المدرسية والجامعية، وسائل الإعلام.. إلخ، وأعتقد أننا في هذه الحال نكون قد استوعبنا الدرس.
علينا أن نلتف حول مشروع سلطان الثقافي، ونبذل كل ما في وسعنا لنوفي جزءاً من جميل هذا الرجل ولنكمل حلمه أو حلمنا، لا فارق هنا مرة أخرى، مادمنا جميعاً أبناء الكتاب أو أبناء سلطان.